بين طيات الزمن، وفي سجل صناعة الساعات الراقية، تبرز ساعة نادرة تُجسد عبقرية حرفية لا تتكرر. إنها ساعة Grosse Pièce الكبيرة من دار أوديمار بيغيه، التي وُلدت في مطلع القرن العشرين لتكون شاهدًا على ذروة الإبداع السويسري. وبعد أكثر من مئة عام من الغياب في ظلال المجموعات الخاصة، تعود هذه الساعة لتتألق من جديد تحت أضواء مزاد دار سوذبيز في نيويورك، المقرر في ديسمبر المقبل. الساعة، التي تُعد من إصدارات الدار الأشد ندرة، تحمل تقديرًا أوليًا يراوح بين 500 ألف دولار ومليون دولار أمريكي، ما يعكس قيمتها التاريخية والفنية الفريدة.

قصة ست سنوات من الإبداع

في عام 1914، وُلدت فكرة ساعة استثنائية بتكليف خاص من شركة سميث آند سونز Smith & Sons اللندنية، لصالح أحد جامعي الساعات في أمريكا الجنوبية. لم تكن مجرد طلبية، بل كانت مشروعًا طموحًا استغرق ست سنوات من العمل المتقن والدقة المتناهية، حتى اكتملت هذه الساعة النادرة عام 1920.

منذ لحظة اكتمالها، أصبحت Grosse Pièce تجسيدًا لذروة الحرفية التي رسّخت مكانة أوديمار بيغيه بين نخبة صانعي الساعات في العالم. واليوم، تضاهي ساعة يونيفرسال ذات التعقيدات التسعة عشر، المعروضة في متحف الدار في لو براسوس بسويسرا، لتؤكد أن الإبداع الحقيقي لا يشيخ، بل يزداد قيمة مع مرور الزمن.

قصة ست سنوات من الإبداع

Sotheby’s

ما عزز الهالة الأسطورية التي تحيط بساعة Grosse Pièce هو بقاؤها طي الكتمان لعقود طويلة، ضمن مجموعة خاصة تعود للجامع الأمريكي الشهير روبرت إم. أولمستِد، أحد مقتني الساعات الأكثر دقة وانتقاءً في القرن العشرين. لكن في تسعينيات القرن الماضي، أعاد المؤرخ المتخصص جيسبرت إل. برونر إحياء قصتها، عبر مقالاته المتخصصة وكتابه المرجعي "روائع الساعات الكلاسيكية من أوديمار بيغيه"، وقد وصفها بأنها الإنجاز التتويجي لمؤسسي الدار، في إشارة إلى مكانتها الفريدة في تاريخ صناعة الساعات.

قصة ست سنوات من الإبداع

Sotheby’s

سيمفونية ميكانيكية

بقطر مذهل يبلغ 80 ملليمترًا، تتربع ساعة الجيب Grosse Pièce في علبة من الذهب الأصفر، وهي واحدة من ساعات أوديمار بيغيه الأكبر والأكثر تعقيدًا. إنها بمنزلة سيمفونية ميكانيكية متكاملة، تضم تسع عشرة وظيفة مذهلة تنسج معًا لوحة من الدقة والجمال الهندسي.

سيمفونية ميكانيكية

Sotheby’s

من التوربيون الذي يكمل دورة كاملة في دقيقة واحدة إلى تعقيدات  الكرونوغراف، والتقويم الدائم، وأطوار القمر، ووظائف الرنين الكبير والرنين الصغير، وصولاً إلى معادلة الوقت ومؤشر الليل والنهار، ومؤشرات شروق وغروب الشمس، كل وظيفة فيها تحكي قصة من الإبداع السويسري الذي لا يُضاهى.

سيمفونية ميكانيكية

Sotheby’s

وراء التعقيدات الميكانيكية المذهلة، يكمن العنصر الأكثر سحرًا في ساعة Grosse Pièce: مخطط فلكي فريد يجسّد سماء لندن الليلية كما لم تُرَ من قبل. داخل واجهتها، تتلألأ 315 نجمة و18 كوكبة محددة بالاسم، مرسومة بدقة مذهلة تجعل من الساعة عملاً فنيًا بامتياز، وليس مجرد أداة لقياس الزمن.

سيمفونية ميكانيكية

Sotheby’s

بحسب أبحاث قسم التراث في أوديمار بيغيه، تُعد هذه القطعة ساعة الجيب الوحيدة المعروفة في العالم التي تضم مثل هذا التعقيد الفلكي في التصميم. كما أنها الوحيدة من تلك الحقبة التي تحتوي على آلية توربيون داخل هيكل ساعة جيب مزدوج الواجهات، ما يجعلها إنجازًا تقنيًا غير مسبوق، يربط بين الأرض والسماء، وبين الحرفية والخيال.