منذ نشأتها في فرنسا خلال القرن التاسع عشر، شكّلت الحركة الانطباعية تحولاً جذريًا في تاريخ الفن، إذ تخلّى روّادها عن الدقة الأكاديمية لصالح التعبير اللحظي عن الضوء والجو والمشهد. واليوم، تعود هذه الروح الفنية المتجددة إلى واجهة السوق العالمية عبر دار كريستيز، التي تستعد لعرض مجموعة نادرة من أعمال الحركة الانطباعية ضمن مزادين يُقامان يومي 17 و18 نوفمبر في نيويورك، تحت عنوان Bill and Dorothy Fisher Collection (مجموعة بيل ودوروثي فيشر).
فن يخلّد إرثًا إنسانيًا
تضم المجموعة أعمالاً لفنانين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن الحديث، من بينهم بول سينياك، وأوجين بودان، وألفريد سيسلي، وبيار بونار، وهنري ماتيس، إلى جانب أسماء أخرى بارزة. وتأتي هذه الخطوة لتمنح هواة الجمع فرصة نادرة لاقتناء أعمال فنية فذّة، ظلّت حبيسة جدران مجموعة خاصة لأكثر من نصف قرن، قبل أن تخرج الآن إلى السوق العالمية ليس بحثًا عن الربح، بل وفاءً لإرث إنساني نبيل يتمثل في دعم المشهد الثقافي والفني في مدينة مارشالتاون بولاية آيوا، من خلال تمويل مبادرات محلية تشمل مركز الفنون والمجتمع، بما يُخلّد أثر بيل ودوروثي فيشر في رعاية الإبداع وتكريس الفن بوصفه قيمة مجتمعية.
ومن هنا، تبرز أهمية هذا الطرح الفني من حيث دلالته الثقافية والإنسانية، وهو ما عبّر عنه ديفيد كليويغ دي زوان، كبير المتخصصين في قسم الفن الانطباعي والحديث لدى كريستيز، بقوله: "لقد شكّلت مقتنيات بيل ودوروثي فيشر، التي جمعاها على مدى أكثر من خمسين عامًا، شهادة حية على الدور المحوري الذي أداه الرعاة الأمريكيون في دعم الحركة الانطباعية. ونحن ممتنون لعائلة فيشر على ثقتهم في كريستيز لتولي مهمة تقديم هذه الأعمال إلى العالم، في لحظة فارقة تجمع بين الفن والوفاء".
		
Christie’s
سينياك يتصدّر المزاد
يتصدّر المجموعة عمل فني نادر يُعد من أبرز ما أنجزه بول سينياك في مسيرته، وهو لوحة L'Odet à Quimper (نهر أوديه في كيمبير) التي تُقدّر قيمتها بين 6 ملايين دولار و9 ملايين دولار أمريكي، ما يجعلها من أعلى الأعمال سعرًا في مزادات كريستيز لهذا الموسم. وقد أنجز سينياك هذه اللوحة في الفترة بين عامي 1922 و1923، خلال إحدى رحلاته البحرية إلى مدينة كيمبير التاريخية الواقعة على ضفاف نهر أوديه في منطقة بريتاني الفرنسية، حيث استلهم من أجوائها الضوئية الغنية وتضاريسها الساحلية تفاصيل هذا العمل الفذّ.
		
Christie’s
تُجسّد اللوحة أسلوب سينياك النقطي الناضج، الذي يُعرف بتقنيته الدقيقة في توزيع اللون عبر نقاط صغيرة تُشكّل مشهدًا نابضًا بالحياة، وتُبرز قدرته الفريدة على مزج درجات الأزرق والزمردي والياقوتي في تكوين بصري ساحر. وقد احتفظ بيل ودوروثي فيشر بهذه اللوحة لأكثر من ستين عامًا، لتُعرض اليوم للمرة الأولى في السوق، ضمن مزاد يحمل رسالة فنية وإنسانية في آنٍ واحد.
وقد أعربت إيموجين كير، الرئيسة المشاركة لمزاد مساء القرن العشرين، عن مدى تفرّد هذه اللوحة بقولها: "نحن فخورون للغاية بتقديم لوحة نهر أوديه في كيمبير ضمن مزادات هذا الخريف، فهي عمل فني فذّ يتميز بحجمه الكبير وتفاصيله اللونية الغنية التي تُجسّد براعة بول سينياك في استخدام الألوان".

                                
                                





