تجاوزت شهرتها حدود الزمن، وظلّت حكايتها معلّقة بين أعماق البحر وأسطر التاريخ. إنها سفينة "سان خوسيه" San José الإسبانية الغارقة منذ أكثر من 300 عام في مياه الكاريبي، والتي تعود إلى الواجهة من جديد، محمّلة بكنوز تُقدّر قيمتها اليوم بمبلغ 16 مليار جنيه إسترليني.
ثمة دراسة جديدة نُشرت في المجلة البريطانية المتخصصة Antiquity كشفت أن الحطام الذي عُثر عليه قبالة السواحل الكولومبية هو بقايا السفينة الأسطورية التي لطالما وُصفت "بالكأس المقدسة" لحطام السفن، لتُعيد هذه النتائج إشعال الخلافات الدبلوماسية والقانونية حول واحد من أغلى الاكتشافات البحرية في العصر الحديث.
كنز غارق يُشعل النزاع
تعود القصة إلى مساء الثامن من يونيو عام 1708، حين أطلقت سفينة إتش إم إس إكسبيديشن HMS Expedition البريطانية نيرانها على السفينة الإسبانية التي كانت تحمل 600 راكب وشحنة لا تُقدّر بثمن من الذهب والفضة والزمرد، كانت في طريقها من بنما إلى كارتاخينا، ثم إلى إسبانيا.
وغرقت السفينة بمن فيها، لتتحوّل بعد أكثر من ثلاثة قرون إلى بؤرة خلاف دبلوماسي وقانوني معقّد بين أربع جهات متنازعة: إسبانيا، وكولومبيا، وبيرو، إلى جانب جماعات من السكان الأصليين، وكلّهم يدّعي الأحقية بكنز سان خوسيه.
أكد الباحثون هوية السفينة استنادًا إلى صور التُقطت بوساطة طائرات مسيّرة تحت الماء، كشفت عن قطع نقدية، ومدافع، وخزف صيني يعود إلى الفترة التي غرقت فيها السفينة خلال حرب الخلافة الإسبانية. ويُعتقد أن الكنز مصدره مناجم بوتوسي الشهيرة الواقعة اليوم في بوليفيا، والتي كانت آنذاك جزءًا من حاكمية بيرو الإسبانية.
COLOMBIAN ARMADA
أربعة أطراف وأزمة بلا حل
في قلب الخلاف، تدّعي إسبانيا ملكية السفينة بحكم سيادتها السابقة على المناجم التي خرجت منها تلك الثروات. وتطالب كولومبيا بالأحقية أيضًا، كون الحطام يقع ضمن مياهها الإقليمية، وقد أعلنت الحكومة موقعه سرًا كجزء من مشروع وطني لانتشال الحطام وإنشاء متحف بحري لعرضه.
أما بيرو، فترى أن الكنز من حقها لأنه استُخرج من أراضيها في ذلك الحين، فيما تتمسّك جماعات من السكان الأصليين بمطالب تاريخية بوصفهم أحفاد العمال الذين استُغلت جهودهم لاستخراج هذه الثروات.
لكن بحسب الدكتور ميخائيل ريسفاس، خبير القانون البحري في جامعة ساوثهامبتون البريطانية، فإن النزاع حول ملكية سفينة "سان خوسيه" مرشّح للبقاء من دون حل، إذ قال: "لا توجد محكمة دولية يمكنها الفصل في القضية ما لم توافق الأطراف كلها على إحالة النزاع إليها"، وهو سيناريو يبدو بعيد المنال، خصوصًا أن كولومبيا ليست طرفًا في اتفاقيتي الأمم المتحدة واليونسكو الخاصتين بحماية التراث الثقافي تحت الماء، ما يُعقّد المسارات القانونية ويجعل التسوية الدولية شبه مستحيلة.