لطالما كان يُنظر إلى الساعة الفاخرة بوصفها رمزًا للمكانة الاجتماعية بين الأثرياء والمشاهير. فامتلاك قطعة فريدة من علامة راقية وعريقة في عالم الساعات يعنى اقتناء تاريخ كبير من الحرفية المتميزة، والتصاميم التي لا تضاهى، مع سعر قد لا يكون في متناول الجميع، ما يرسخها دليلاً على الثراء والنجاح، وربما التفرد، مثلما هي دليل على الذائقة الرفيعة.

ولكن كيف أصبح لآلة قياس الوقت مثل هذه المعاني وهذا السحر، وكيف صمد صناع الساعات الفاخرة أمام اختبار الزمن، وكيف رسخت العلامات الأهم وجودها في ظل المنافسات الشرسة المستمرة والمحتدمة بين صناعها في مضمار الأصالة والحداثة حتى أصبحت بين الخيارات الأولى لمقتني القطع الفريدة حول العالم؟

لا شك في أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المنطقية لا تبدو بمثل صعوبة خطوات عمالقة عالم صناعة الساعات الفاخرة لاحتفاظهم بمواقع الريادة في عالمهم. فبتتبع مسيرة أي منهم ستتعرف على بعض أسرار تميزهم وأسباب استمرارهم. ورغم ذلك فإنك كلما اقتربت ستبرز التفاصيل أكثر فأكثر، ومن ثم سيظهر كم هائل من الصعوبات التي يتغلب عليها هؤلاء دائمًا، وهنا ستعرف أيضًا لماذا استطاعت هذه القلة القليلة من المبدعين امتلاك الوصفة الصحيحة لحرفية راقية ومهارة تسويقية استطاعت رسم صور ذهنية مذهلة لدى عشاق الساعات، وهي الصور التي صمدت أمام اختبار الزمن، وجعلت من أسماء هذه العلامات مرادفًا للتميز والرفاهية والجودة التي لا تضاهى. نستعرض في السطور التالية بعض أبرز الأسرار التي سارت عليها تقريبًا العلامات الرائدة كلها لتحقيق مثل هذا الصمود الراسخ.

التراث الغني والتقاليد العريقة

وراء كل علامة مبدعة قصة رائعة، وقد يكون من المنطقي أن تتباهى الأسماء الأكثر احترامًا في عالم الساعات بتاريخ حافل وثري، ترتبط به دائمًا وتضعه أمامها كمرشد لخطواتها في الحاضر والمستقبل.

وعلى سبيل المثال فإن علامة مثل باتيك فيليب Patek Philippe، التي تأسست في عام 1839 ظلت وفية لجذورها منذ ذلك الحين، واستمرت  في احتضان تقاليد صناعة الساعات التي تعود إلى قرون مضت.

فهي تقدم مع كل ساعة من ساعاتها المصنوعة يدويًا بدقة ترجمة عصرية لذلك التاريخ الغني بالحرفية والتقاليد العريقة في صناعة الساعات، وهو أمر ليس غريبًا على اسم أصبح معروفًا على مر السنين بجودة منتجاته الاستثنائية وما يقدمه من أناقة خالدة، جعلت من ساعات العلامة الكلاسيكية رمزًا للفخامة في صورتها المثلى.

ساعة 6002R Sky Moon Tourbillon Rose Gold

Patek Philippe

احتضان الابتكارات واستثمارها

مثل عقارب ساعاتها، لا تتوقف أفضل العلامات في عالم صناعة الوقت عن التحرك مع الزمن، وتكييف تصاميمها ونماذجها الأصلية مع متغيرات عالمنا المتلاحقة وابتكاراته، وخاصة في مجال التقنية، واستثمار ذلك إلى أبعد الحدود بين منتجاتها.

وتُعد  علامة زينيث Zenith مثالاً لامعًا على كيفية القيام بذلك بشكل أكثر من ممتاز: دمجت العلامة بعض المواد المتطورة في تصاميم منتجاتها مثل استخدام ألياف الكربون والسيراميك، بينما حافظت بشكل صارم على تلك الجودة التي اعتمدتها منذ البداية، فيما دفعت حدود أفكارها الشبابية المثيرة لفتح نوافذ وآفاق مختلفة في عالم الساعات، ومن ثم حققت التوازن المثالي بين التقاليد العريقة التي تملكها والابتكار الذي تحتضنه دائمًا، وهو ما أدى إلى صمود العلامة في عالم شديد المنافسة.

ساعة DEFY Extreme Double Tourbillon

Zenith-Watches

البراعة والحرفية الفائقة

يبدو أن الشيء المشترك بين مختلف صانعي الساعات الفاخرة المرموقين اليوم هو البراعة الفائقة، والتفاني الذي لا يتزعزع للحرفية، الذي يطوقه بذل كل ما يمكن لتحقيق أعلى درجات الجودة، بل تخطي التوقعات مع الاهتمام الدقيق بالتفاصيل.

وعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى علامة رولكس Rolex وسر نجاحها على مدار السنين، سنكتشف أن مختلف عمليات التصنيع الخاصة بالعلامة تتم داخل الشركة من قبل فريق موهوب من الخبراء، مع مراقبة الجودة والتزام كل مكون صغير بأكثر المعايير صرامة، لتجاوز التوقعات عندما يتعلق الأمر بالتميز. فهنا يتضافر الالتزام الصارم بالحرفية الواثقة، ليعزز سمعة العلامة الأسطورية التي صمدت أمام اختبار الزمن، ما جعلها الأكثر رواجًا بين جامعي الساعات من الأثرياء والمستثمرين على حد سواء، بالإضافة إلى الطامحين لاقتناء إحدى قطعها.

Rolex Oyster Perpetual Cosmograph Daytona

Rolex

تحقيق الندرة والحصرية

يتفق الخبراء على أن الشعور بالندرة والحصرية هو المفتاح الحقيقي لعالم الرفاهية، وهو أمر أدركته العلامات الرائدة ونفذته عمليًا في الواقع منذ زمن طويل، من خلال الإنتاج المحدود من قطعها الفريدة.

وقد ظلت هذه المحدودية وسيلة رئيسة لجذب انتباه الجميع وضمان شغفهم. والحقيقة أن هذه الحصرية تأتي في غالب الأوقات لأسباب تبدو معقولة لأبعد الحدود، ولكنها ترتبط بالمخططات التسويقية أيضًا.

فابتكار ساعات استثنائية بكميات محدودة لا يضمن أعلى مستوى من الحرفية فحسب، ولكنه يضمن كذلك تحقيق الندرة وما يسببه ذلك من شغف يحرك مشاعر هواة الساعات الراقية مثلما يحرك دوافع الشراء لديهم، وهو أمر تمارسه معظم العلامات، وفي طليعتها باتيك فيليب، وأوديمار بيغيه، ورولكس. فغالبًا ما تجلب الإصدارات المحدودة والتعاون النادر أرباحًا مذهلة إذ تتجاوز في بعض الأحيان أسعار الإصدارات الأساسية، بينما تجذب هواة الجمع الذين يقدرون التفرد.

ساعة Royal Oak “Jumbo” Extra – Thin / رويال أوك "جامبو" إكسترا - ثين

Audemars Piguet

إبراز مكانة العلامة

تحرص العلامات المختلفة في عالم الساعات على إبراز مكانتها الخاصة، من خلال الطريقة الرئيسة التي تسوّق بها منتجاتها. وسيلحظ المتتبع لتاريخ أهم العلامات الفروق الواضحة بين طريقة ولغة كل علامة في الترويج لمنتجاتها وأفكارها واهتماماتها، وسيجد بين هذه العلامات العملاقة من يتباهى بالفخامة والرقي الشديد الممزوج باللمسات الرياضية، مع ربط استراتيجيات العلامة بالأحداث المرموقة في هذا المجال، ورعايتها على سبيل المثال.

فهنا تحدد كل علامة مستهدفها ولغتها الخاصة ومجال تفوقها ومنافستها، لتبرز نفسها ومكانتها بشكل أكبر بين منافسيها، ومن خلال مواءمة الصورة الذهنية للعلامة مع أداء الساعة ودقتها وكل ما تضمه من مميزات خاصة، تحقق العلامة هويتها بشكل أقوى يتردد صداه بين الأشخاص المناسبين الذين يبادلونها الاهتمام نفسه.

ونذكر في هذا المجال محفظة علامة هوبلو من مشاريع التعاون التي تطلقها مع فنانين وموسيقيين وطهاة مشاهير ومحترفين في رياضات مختلفة من الغولف والتزلج إلى كرة القدم. بل إن هوبلو تشتهر اليوم أيضًا برعايتها لبطولات كأس العالم لكرة القدم. هذا هو أيضًا حال دار شوبارد التي تكرس اسمها منذ عام 1988 في سباق الألف ميل بوصفها الراعي العالمي الرسمي لهذا الحدث.

 ساعات Mille Miglia

Chopard

دعم فلسفة الفخامة والجودة

تنقلنل النقطة السابقة مباشرة إلى فلسفة الفخامة التي تتبعها العلامات المختلفة لتحافظ على مكانتها عبر الزمن، إذ تؤثر العلامة على العقل الباطن لزبونها، ومن ثم تعمل على إيقاظ العاطفة والولاء لدى عشاقها، وهو الأمر الذي قد يجعل البعض يتساءل عن السر وراء رغبتنا في شراء ساعة فاخرة من علامة بعينها: هل بسبب الجودة والحرفية أم بسبب رغبة بعضنا في تأطير مكانتهم الاجتماعية المميزة وإبرازها للآخرين؟

من المتعارف عليه أن العلامة الفاخرة هي منتج أو خدمة أو تجربة ذات قيمة عالية مدركة، بسبب حصريتها وجودتها وارتباطها بالثروة والمكانة ونمط معين من الحياة. وقد استخدمت العلامات لقرون لتمييز المنتجات المتنافسة بعضها عن بعض، ومن ثم لبناء الثقة مع الزبائن، وذلك من خلال اللاوعي الجمعي الموروث من الخبرات البشرية المحددة التي تشكل لدى الأفراد صورة معينة للعلامة، ومن ثم ترتبط كل علامة وشعار بتصور ما يحمله اللاوعي لدينا حول هذه العلامة، وهو التصور الذي تتحرك كل علامة في إطاره لتحقيق أهدافها.

استثمار العواطف

تؤدي العواطف أيضًا دورًا رئيسًا في كيفية إدراكنا وتصرفنا، إذ تقود في النهاية قراراتنا للاقتناء والشراء، وهو الأمر الذي تستخدمه العلامات المختلفة لصالحها سواء في عالم الساعات أو الموضة أو تسويق المنتجات بشكل عام، فعندما نرى إعلانًا أو شعارًا لعلامة ما من الساعات الفاخرة، فإن الشعور بالسعادة والدقة والحرفية والتميز والمكانة المرتبطة بالعلامة يجعلنا نرغب في الارتباط بها، وهو ما استطاعت العلامات الفاخرة استثماره على مدار العقود، من خلال إنشاء اتصال عاطفي مع جمهورها المستهدف، والاستفادة من رغبة الإنسان في تحقيق مثل هذه المعاني والانتماء إليها.

وبشكل عام لا يجري إنشاء الاتصال العاطفي بين العلامات التجارية والزبائن من خلال الإعلانات أو الإشارات المرئية فحسب، ولكنه يتحقق كذلك من خلال تفاعلات خدمة الزبائن الإيجابية، مع تقديم جودة لا غبار عليها تلبي -إن لم تكن تفوق- توقعات الزبائن.

استثمار العواطف

A Collected Man

التعريف الذاتي للزبائن

لا تبيع العلامات الفاخرة من صناع الساعات شيئًا ماديًا فحسب، بل تبيع المشاعر أيضًا مع الشعور بالتعريف الذاتي، وهو ما منح هذه العلامات قوة تأثير كبيرة في عالمنا اليوم، بعد أن استثمرت بعلم في الاتصال بالعواطف، ومن ثم التأثير في مستوى وشكل إدراكنا للرفاهية ومعانيها، مع إيجاد تجربة مشتركة تربط البشر حول العالم وعلى مدى الأجيال.

وقد يكون هذا هو السبب في أن الملابس الباهظة الثمن مثلاً تجعل الناس يشعرون بمزيد من الثقة. فالمعنى هنا لا يرتبط بالعنصر المادي فحسب، ولكنه يرتبط بالتعريف الذاتي للزبون عن نفسه في عالمنا، من خلال صلة عاطفية ثقافية جماعية، تبعث بإشارات خاصة يستطيع الجميع فهمها، وتعد في الواقع عنصرًا مهمًا من عناصر القوة الحقيقية للعلامات الفاخرة، التي يضاف إليها ما تقدمه لزبائنها من جودة موثوقة وقطع استثنائية تصمد أمام عوامل الزمن.