يتجلى في مبنى الحجاج الغربي بمطار الملك عبد العزيز الدولي، الذي يحتضن فعاليات بينالي الفنون الإسلامية، المفهوم الذاهب إلى كون الفن نحتًا في الفراغ، أو بالأحرى إعادة تخيل له.
يشكل هذا المبنى، الذي صممته شركة Skidmore وOwings & Merrill والفائز بجائزة الآغا خان لعام 1983، نقطة تقاطع مئات الآلاف من الحجاج المسلمين من مختلف أنحاء العالم في طريقهم إلى الكعبة المشرفة، أول بيت وضع للناس. على أنه يلتزم اليوم أيضًا دورًا فنيًا وثقافيًا، إذ يفتح لنا، عبر تصاميم خيامه المميزة، زاوية جديدة ننظر من خلالها إلى جدة من حيث كونها مركزًا ثقافيًا، بل نقطة التقاء عابرة للثقافات.
Islamic Arts Biennale Jeddah
روعي في تصميم مبنى الحجاج الغربي أن يكون قادرًا على الإشارة إلى التراث العميق للمدينة، وتوثيق حضورها مركزًا حضاريًا بل عالميًا أيضًا. ويعتمد المفهوم المعماري للتصميم على تجريد حجمي مستوحى من وحدة الهياكل والأشكال المنبسطة تحت الخيام ذات الأسقف القماشية العالية، ولكن من دون مساومة على معاني الحداثة والتجديد كذلك.
وفيما يتشابك تصميم مبنى الحجاج الغربي مع تصميم المطار نفسه، فإن معرض بينالي الفنون الإسلامية في جدة عمد إلى التأكيد على استقلالية هذا الفضاء عبر منحه هوية بصرية متفردة. ولأن التصميم الجديد لهذا الفضاء اعتمد في الأساس على التضافر بين التراث والحداثة، فقد استخدم الأقمشة المنبسطة فوق الأسقف لتكون أساسًا لتعبير فني جديد. وبهذا يمكن القول إننا إزاء تحول الفضاء الحضري إلى مكان ثقافي ملهم.
Islamic Arts Biennale Jeddah
وعلى ذلك فإن "مبنى الحجاج الغربي ومدينة جدة جزء لا يتجزأ من المعرض. بل يمكن عده أحد الأعمال الفنية والتحف المعروضة"، على ما تقول آية البكري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة بينالي الدرعية، التي ترى "أن صالة الحجاج الغربية وجدة كانتا رمزًا لمنافذ دخول ملايين الحجاج في طريقهم إلى مكة؛ إذ تمثل جدة نقطة التقاء بين الثقافات، جرى من خلالها تبادل السلع والأفكار منذ قرون".
وعلى هذا فإن هذا التصميم الجديد قد يكون تعبيرًا عن الطابع العولمي لمدينة جدة. تقول آية البكري: "إن تحويل الفضاء الحضري إلى مساحة ثقافية بشكل دائم هو أحد أعظم إنجازاتنا في مؤسسة بينالي الدرعية، ونحن على يقين من أن القيام بذلك سيستمر في إثراء المجال الفني في المدينة لسنوات قادمة".
يتناغم هذا التركيز على عولمة الفضاءات الثقافية في المملكة مع كون الثقافة تعد مكونًا أساسيًا في رؤية 2030، خصوصًا أن المملكة العربية السعودية تشهد حقًا تحولًا غير مسبوق، أصبح فيه التبادل الثقافي والفني ضروريًا للمساهمة في نمو البلاد وتطورها.
Islamic Arts Biennale Jeddah
يُذكر أن بينالي الفنون الإسلامية يوفّر جزأين رئيسين لعرض الأعمال الفنية والكنوز الأثرية: الأول هو التسلسل الخطي للمعارض التي تُعدّل مساحاتها وارتفاعات أسقفها وإضاءاتها لتعزيز التجربة المعرفية والعاطفية للزوار، فينا الجزء الثاني يتألف من جناحين: مكة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى منطقة خارجية تحت مظلة صالة الحجاج الغربية، لعرض الأعمال الفنية والتركيبات الفنية.
يقول فراس حنوش، المستشار المعماري لمؤسسة بينالي الدرعية: "إن أشعة الشمس التي تتسرب عبر هياكل الخيام في صالة الحجاج الغربية، والآفاق الطويلة ومناظر السماء والصحراء تخلق بلا شك تجربة لا تُضاهى في صالات العرض الداخلية في القسم الأول من المعرض".
ويضيف حنوش: "يقترن ذلك بجناحين منفصلين: مكة والمدينة، ومجموعة مختارة بعناية من منافذ الأطعمة والمشروبات، وقاعة سينمائية ومسرح، ومكتبة، ومحلات لبيع الكتب والهدايا، فضلاً عن مساحات لورش عمل فنية وحرفية، ومناطق داخلية وخارجية لألعاب الأطفال، وصالة لكبار الشخصيات". ويؤكد حنوش أن كل هذا يهدف "إلى تقديم تجربة شاملة ومفيدة وتأملية لأولئك الذين يزورون هذا المعرض التاريخي".