ليس مجرد مزاد، بل هو استعراض نادر لعبقرية الإنسان في أبهى تجلياتها. هذا ما تعد به دار كريستيز في مزادها الاستثنائي The Exceptional Sale، الذي يُقام في 18 نوفمبر، ويجمع تحت سقف واحد نحو 40 قطعة فريدة.
تتنوع المعروضات بين آلات ميكانيكية دقيقة، وفنون زخرفية من القرن الثامن عشر، وأعمال نحت وبورتريه، لتشكل معًا رحلة بصرية تأخذنا من عصر الباروك إلى ذروة الحرب العالمية الثانية، في استعراض مذهل لتطور الإبداع البشري عبر القرون.
إبريق نادر من العصر الانتقالي
في زوايا بيوليو سور مير الهادئة، استيقظت قطعة نادرة من سباتها العميق: إبريق غاية في الجمال، صاغته أنامل بارعة في منتصف القرن الثامن عشر، عندما كانت باريس تموج بالفن والجمال تحت ظلال العصر الانتقالي.
نُحت هذا الإبريق الفريد من حجر البورفيري النبيل، وطُعّم بالبرونز المحفور والمذهب بعناية فائقة، ويظهر على سطحه أكاليل الغار والزخارف النباتية. تشهد تفاصيله الدقيقة على عبقرية بيار غوتييه، ذلك الحرفي الشهير الذي سحرت أعماله قصور فرساي، وأمتعت عيون الملكة ماري أنطوانيت، وزينت قاعات الأمراء.
كان الزمن قد أخفى هذا الكنز الثمين، حتى جاءت لحظة الكشف عنه على يد خبراء دار بيشون ونوديل-دينيو Pichon & Noudel-Deniau، الذين فطنوا إلى قيمته الاستثنائية. سعره المتوقع في مزاد كريستيز يراوح بين 70 ألف دولار و100 ألف دولار أمريكي، وثمة من يراه مرشّحًا لتجاوز هذه الأرقام.
		
Christie’s
الفنون الآسيوية والأوروبية في القرن الثامن عشر
لا شيء يختصر عبقرية التفاعل الحضاري في القرن الثامن عشر مثل اجتماع القطع النادرة من الفنون الآسيوية والأوروبية في مزاد واحد. في هذا المزاد، تتصدر قائمة الاكتشافات تحفٌ صيغت بذوق ملكي وندرة لا تتكرر؛ في مقدمتها تماثيل من بورسلين شانتِيي الفرنسي، أحد أعاجيب الصناعة اليدوية. ويلفت الأنظار تباين أحدهما بلون أنثوي زاه، والآخر بهيئة ذكورية ناصعة البياض، وقد قُدّرت قيمتهما السوقية بين 58 ألف دولار و95 ألف دولار أمريكي.
		
Christie’s
ومن الشرق الأقصى، يبرز زوج من الأواني الصينية العائدة إلى فترة كانغشي، زُوّدت بقواعد أوروبية من طراز الروكوكو، في تزاوج بصري نادر بين ثقافتين. هذه القطع، رغم قيمتها التقديرية الأقل، التي تبدأ من 13 ألف دولار وتصل إلى 21 ألف دولار، لا تقل فخامة عن غيرها.
أما مزهريات إيماري اليابانية، التي تعود إلى عصر لويس السادس عشر، فتخاطب ذائقة كبار المقتنين فحسب، إذ تراوح أسعارها بين 175 ألف دولار و292 ألف دولار، ما يعكس مكانتها الراسخة في سوق التحف الفنية.
		
Christie’s
ويزخر القسم الآسيوي من المزاد بتحف أخرى لا تقل تميزًا، تبدأ مع زوج من التماثيل المزخرفة، وهي القطعة الأقل سعرًا ضمن المجموعة، إذ تتراوح المزايدات عليها بين 34 ألف دولار و58 ألف دولار. ورغم بساطة السعر، إلا أن تفاصيلها الدقيقة تجعلها محط أنظار هواة الجمع.
أما القطعتان التاليتان، فقد حُدد لهما نطاق سعري واحد، يراوح بين 93 ألف دولار و139 ألف دولار، ما يعكس تقارب قيمتهما الفنية. الأولى طاولة مذبح صينية مطلية باللك، تتسم بزخارفها الدقيقة وتاريخها العريق، والثانية شاشة من سلالة تشينغ مرصعة بالصدف، تجمع بين الحرفية العالية والرمزية الثقافية، لتُشكّلا معًا ذروة هذا القسم من المزاد.
		
Christie’s
ويكتمل قسم الفنون الزخرفية للقرن الثامن عشر بشمعدانين فاخرين من البورسلين يعودان إلى فترة لويس الخامس عشر، صُنعا حوالي عام 1745. يتميز كل منهما بثلاثة أذرع ضوئية ملتفة على قاعدة صخرية، ومزيج من البورسلين والبرونز المحفور والمذهب، من إنتاج مصنع ميسن Meissen، أول مصنع أوروبي يتقن صناعة البورسلين الصلب باستخدام الكاولين الآسيوي. وقد حُدد لهذين العملين الفنيين نطاق سعري يراوح بين 107 آلاف دولار و214 ألف دولار.
		
Christie’s
أثاث من القرن الثامن عشر
في مشهد يعكس ذروة الابتكار الحرفي في أوروبا في القرن الثامن عشر، يبرز في المزاد المرتقب عرض قطعة أثاث ميكانيكية تُنسب إلى جان-فرانسوا أوبين، أحد صانعي الأساس الأشهر في باريس، والذي لطالما عُرف بابتكاراته في فن التطعيم والآليات الخفية.
هذه القطعة النادرة، المصنوعة من خشب الأمارانث وخشب الورد وخشب البنفسج وخشب البقس والأبنوس، تتضمن قسمًا علويًا ميكانيكيًا متقن الصنع، ولا يُعرف لها مثيل سوى نموذج محفوظ في متحف اللوفر. وقد رُصد لها تقدير سعري يراوح بين 107 آلاف دولار و160 ألف دولار أمريكي.
أما القطعة الأبرز من حيث القيمة، فهي مكتب مسطح من خشب الأمارانث مزدان بزخارف من البرونز المحفور والمذهب، ويُنسب إلى نويل جيرار. ينتمي المكتب إلى مجموعة الكونت والكونتيسة دورميسون، ويراوح سعره بين 214 ألف دولار و428 ألف دولار، ما يعكس مكانته بوصفه أحد معروضات المزاد الأبرز وأكثرها جذبًا لهواة فنون القرن الثامن عشر.
		
Christie’s
بورتريه الكونتيسة غريفول وتمثال رودان
في مزاد يفيض بأعمال نادرة لم تُعرض من قبل، يلفت الأنظار بورتريه ضخم من الباستيل للفنان الفرنسي بول سيزار هيلو، أحد رسامي النخبة الباريسية الأبرز في نهايات القرن التاسع عشر. العمل بمنزلة شهادة فنية على العلاقة الوثيقة التي جمعت هيلو بالكونتيسة غريفول، الشخصية الأرستقراطية التي فتحت له أبواب المجتمع الراقي، وطلبت منه تنفيذ أعمال فنية عدة. يُعتقد أن هذا البورتريه أُنجز خلال إحدى زياراته إلى قصرها، وقد رُصد له تقدير سعري يراوح بين 85 ألف دولار إلى 128 ألف دولار أمريكي.
		
Christie’s
وفي القسم النحتي من المزاد، يُعرض تمثال برونزي للفنان أوغوست رودان، يحمل اسم La Défense (الدفاع)، ويتميّز بتشطيب أخضر بني يمنحه طابعًا دراميًا فريدًا. أُنتج هذا العمل بين عامي 1904 و1917 في مسبك رودييه، ضمن سلسلة محدودة من عشر نسخ فقط، ما يرفع من قيمته التاريخية والفنية. وقد حُدد له نطاق سعري يراوح بين 214 ألف دولار و321 ألف دولار أمريكي، ليكون من أبرز القطع التي تستقطب اهتمام كبار المقتنين في هذا المزاد.
آلة اللغز.. قمة التعقيد في التشفير العسكري
تتجسد قمة العبقرية والابتكار العسكري في القرن العشرين في آلة تشفير ذات أربع دوّارات، تلك التحفة التقنية التي تكاد تختصر معركة العقول بين ألمانيا النازية وجيوش الحلفاء. في عام 1941، وتحت إشراف الأدميرال كارل دونيتز، صدر أمر استثنائي بتطوير نموذج خاص لتأمين اتصالات أسطول الغواصات، فجاءت هذه الآلة بنسختها الأكثر تعقيدًا، من إنتاج شركة هايمسوث آند رينكه Heimsoeth & Rinke، لتصبح رمزًا لصراع الخداع والتشفير في أصعب لحظات الحرب العالمية الثانية.
		
Christie’s
لم تكن هذه الآلة مجرد جهاز ميكانيكي؛ بل شكّلت تحديًا هائلاً لمختصي فك الشيفرة البريطانيين وعلى رأسهم آلان تورينغ وجو ديش، الذين دفعهم التحدي إلى ابتكار أول حاسوب قابل للبرمجة في التاريخ، فاتسعت بذلك حدود العلم وأصابت الإنسانية نقطة تحول غير مسبوقة.
تتميز الآلة بمواصفات دقيقة: ارتفاعها 16.5 سنتيمتر، وطولها 28.6 سنتيمتر، وعمقها الإجمالي 34.8 سنتيمتر، مع تقديرٍ سعري يليق برمزية الإنجاز، يراوح بين 233 ألف دولار و350 ألف دولار أمريكي.

                                
                                





