قلة من وجهات الطعام في دبي نجحت في أن تُبقي على الألق الذي رافق بداياتها بعد مرور سنين بقدر مطعم LPM الكائن في مركز دبي المالي العالمي. فهذا المطعم، ومنذ افتتاحه في عام 2017، لا ينفك يشكّل وجهة تستقطب زوّار المدينة وأهلها إلى تجارب طعام يكرّس تمايزها فلسفة ضيافة راسخة ومعايير تميّز ما فتئت تضعه على قائمة أفضل مطاعم دبي وتضمن له الجوائز. 

وأنت تزور مطعم LPM دبي، الذي أعاد فتح أبوابه أواخر العام الفائت في أعقاب عملية تجديد أضفت عليه طابعًا مصقولاً، لا يسعك أن تغفل عن تلك الحيوية التي تصخب بها أرجاؤه على وقع حركة طاقم متمرّس من الموظفين الذين أتقنوا فنون الضيافة وهم يتنقّلون بين مجالس الزائرين، ومنهم كبار رجال الأعمال والمديرون التنفيذيون الذين يحتشد بهم المطعم، لا سيّما في أوقات وجبة الغداء.

لكن هذه الوجهة تبقى أبعد ما يكون عن الطابع الصارم لغرف الاجتماعات، على ما يوحي به تنوّع زائريها من جهة، وأجواؤها التي تستحضر ألق الريفييرا الفرنسية وشواطئ البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى. 

كل تفصيل في هذه الواحة يحتفي بفرح الحياة الذي يطبع تلك الفضاءات، على ما تشهد، بداية من التصميم الراقي بغير بهرجة زائدة والذي صيغ بإيحاء من الحقبة الجميلة، فسيفساء متناغمة من الموائد التي تتدثر بأغطية بيضاء تذكّر بالطابع المبسط لمفهوم تجارب الطعام الراقية في فرنسا، والجدران التي تتزيّن بلوحات زاهية الألوان لفنانين من القرن العشرين، والثريات عتيقة الطراز التي استُقدمت من باريس في سياق عملية تجديد المطعم لتُلقي بنورها المتلألئ على الساهرين في الشرفة، وعلى أولئك الذين يولمون في حجرة خاصة استُحدثت أخيرًا لمريدي العزلة والخصوصية.  

على أن الطابع غير المتكلف الذي يغلب على أجواء المطعم المتوسطية في النسخة المحدثة من مظهره الكلاسيكي ليست وحدها ما يؤسس هنا لتجربة ماتعة.

ففلسفة تحقيق التناغم تنسحب أيضًا على ما تختبره الذائقة من أطباق تُعد من مكوّنات موسمية طازجة تُبشر بها منذ اللحظات الأولى زينة الموائد من الليمون الحامض والطماطم وزيت الزيتون البكر، والملح والفلفل، في ما يشبه دعوة إلى الضيوف لأن يتولوا بأنفسهم إعداد مقبلاتهم الخاصة فيما ينتظرون توافد الأطباق إلى المائدة.

على أن ما يوثّق تحقيق غاية LPM دبي في الارتحال بالحواس إلى الريفييرا الفرنسية مع كل لقمة هو تلك التجربة الحسية التي حرص الطاهي التنفيذي العالمي أندريانو كاتانيو على أن يصوغ عناصرها فيما أثرى قائمة الطعام بعد الافتتاح بأصناف جديدة تسنت لنا فرصة اختبارها في زيارتنا الأخيرة إلى هذه الوجهة. 

جبن بوراتا مع الطماطم الكرزية وأوراق الريحان.

LPM
جبن بوراتا مع الطماطم الكرزية وأوراق الريحان.


كانت البداية خليطًا من المقبلات التقليدية والمستحدثة التي تزخر بها قائمة الطعام، من سلطة جبن بوراتا القشدية التي يؤتى بها من باريس لتُقدم مع الطماطم الكرزية وأوراق الريحان، وسلطة الفاصولياء الخضراء وكبد الإوز، و كارباشيو اللحم البقري النيء الذي ترقى بمذاقه صلصة المخللات، إلى شطيرة السلطعون والطماطم، وسلطة قلوب الخرشوف المنكّهة بالكمأة أو  أوراق الأنديف التي تُقدم مع جبن غورغونزولا والجوز المكرمل.

قد تبدو هذه المقبلات بعيدة عن التعقيد، لكنك سرعان ما تكتشف فيها براعة في تحقيق التوازن المتكامل بين المذاق الطبيعي للخضراوات وألوانها، والطعم الثري، الحاد أو الحامض للصلصات والتوابل. 

طبق سمك القاروص الذي يُغلف بالملح قبل طهيه.

LPM
طبق سمك القاروص الذي يُغلف بالملح قبل طهيه.


هو هذا التكامل تستكشفه أيضًا في الأطباق الرئيسة التي تتناسق مكوّناتها ومذاقاتها بكثير من الإتقان لكن بالقدر نفسه من العفوية التي تطبع أجواء المطعم، على ما تشهد أطايب في طليعتها طبق التورتيلليني بجبن بيكورينو والكمأة، وسمك القاروص الذي يُغلف بالملح قبل خبزه ويترافق مع الخرشوف والطماطم، أو يُقدم مشويًا ومنكهًا بالفلفل الحار ومحفوظ الليمون، وشرائح لحم الضأن التي يثري زيت الزيتون والباذنجان والكافيار والصنوبر مذاقها الطري. 

حلوى كريم بروليه التي يشتهر بها مطعم LPM.

LPM
حلوى كريم بروليه التي يشتهر بها مطعم LPM.


وعلى ما تمليه تجربة فرنسية أصيلة، لا بد في ختام التجربة من استكشاف المذاق الطيب لأصناف من الحلوى يتربّع على عرشها الخبز الفرنسي مع المثلجات بطعم التوابل، وفطيرة التفاح المقرمشة التي تكملها مثلجات بطعم الفانيلا، وصولاً إلى كعكة المرينيغ بالليمون التي أضافها الطاهي كاتانيو أخيرًا إلى القائمة.