في قلب وادي الملوك بالأقصر، ترقد مقبرة توت عنخ آمون، الفرعون الصغير الذي تحوّل اسمه إلى رمز عالمي للغموض والمجد الفرعوني. لكن خلف جدرانها المزخرفة، لا تزال المقبرة تخوض معركتها الأصعب منذ أن أزاح هوارد كارتر الستار عنها قبل أكثر من قرن. معركة لا يخوضها لصوص القبور هذه المرة، بل يخوضها الزمن، والمناخ، وصمت الصخور المتصدعة.
بين جدران المقبرة، يزداد الخطر يومًا بعد آخر. تشققات دقيقة تشبه نبضات صخرية خافتة بدأت تتحول إلى تصدعات عميقة تهدد بانهيار أحد أهم رموز الحضارة المصرية. المياه، التي تتسلل بخفة قاتلة إلى دهاليز الدفن، بدأت تمحو ملامح الرسومات الجدارية التي خلّدت رحلة الفرعون إلى الأبدية. الأسقف، التي صمدت لآلاف السنين، تبدو اليوم كأنها تئن تحت وطأة الجبل الذي طالما احتضنها.
Pexels
وفقًا لدراسة علمية حديثة أعدها الدكتور سيد حميدة، رئيس قسم ترميم العمارة بجامعة القاهرة، فإن السبب الجذري لهذا التدهور يعود إلى الارتفاع المتسارع في معدلات الرطوبة، الناتجة عن التغيرات المناخية العنيفة؛ متمثلة في أمطار غزيرة، وفيضانات مفاجئة، أعادت تنشيط الشقوق الجيولوجية العميقة في باطن الوادي، ما سمح بتسرب المياه إلى غرف الدفن، محدثة أضرارًا جسيمة في البنية الجدارية والهيكلية للمقبرة.
AFP
ويحذّر حميدة، في دراسته المنشورة بمجلة npj Heritage Science، من أن ما نشهده اليوم يعيد إلى الأذهان كارثة عام 1994، حين أغرقت السيول المقابر بمياه محمّلة بالرواسب، فأضعفت الصخور الجيرية المسامية وصخور الإسنا الهشة التي تشكّل العمود الفقري للمقبرة.
هذه الصخور، بتفاعلها المستمر مع الرطوبة، تنتفخ وتتشقق، ما يؤدي إلى تصدّع متسارع قد يُفضي إلى انهيار أجزاء من المقبرة تحت ضغط الجبل الكامن فوقها. إنها ليست مجرد أزمة ترميم، بل معركة وجودية بين إرث حضاري خالد وقوى الطبيعة المتغيرة.







