تحفة فنية نادرة أعادت اسم جيريت دو Gerrit Dou، أحد أبرز رسامي العصر الذهبي الهولندي وتلميذ رامبرانت، إلى صدارة المشهد الفني، بعد أن بيعت لوحته الدقيقة "لايدن" LEIDEN مقابل 2.66 مليون دولار أمريكي في مزاد نظمته دار كريستيز بلندن يوم 1 يوليو 2025. 

هذه النتيجة، التي تجاوزت التقديرات الأولية التي راوحت بين 1.2 مليون دولار و1.9 مليون دولار أمريكي، جاءت تتويجًا لقيمة فنية متوارثة منذ القرن السابع عشر، حين كانت أعمال دو تُطلب بأسعار أميرية وتُحجز سلفًا من قِبل دبلوماسيين وأمراء. اليوم، يثبت هذا البيع مجددًا أن السوق لا تزال تُنصت لتفاصيل دو المتناهية، التي تجعل من كل مشهد منزلي عادي رمزًا خُلقيًا وبصريًا لا يُنسى.

بين الشيخوخة والبراءة

تُسلّط اللوحة الضوء على مشهد منزلي يتّسم بأبسط تفاصيل الحياة اليومية: امرأة تمشّط شعر صبي صغير. قد يبدو المشهد متواضعًا، إلا أنه مشبع بدلالات ثقافية وتربوية تتجاوز الظاهر. 

ففي سياق الفن الهولندي في القرن السابع عشر، كانت مشاهد تمشيط شعر الأطفال تُعد تجسيدًا لمفهوم "الفضيلة المنزلية"، لما تنطوي عليه من معانٍ تتصل بالنظافة والرعاية الأسرية. وقد أشار الكاتب الأمريكي واين فرانيتس في كتابه Paragons of Virtue (نماذج الفضيلة) إلى أن هذا الفعل لم يكن جماليًا فحسب، بل أداة لمكافحة القمل، ومن ثم كان رمزًا للنقاء الداخلي والخارجي معًا.

كريستيز تبيع تحفة جيريت دو مقابل 2.66 مليون دولار في لندن

Christie's

يتناول العمل مفاهيم خلقية عميقة تشكّلت في الوعي الجماعي لتلك الحقبة، إذ كان يُنظر إلى الأناقة الشخصية بوصفها انعكاسًا مباشرًا للفضيلة الخلقية. 

وقد تجلّى هذا الربط الرمزي في مؤلفات أدبية وفكرية، أبرزها كتاب Sinnepoppen (الرموز الخلقية) الصادر عام 1614 للشاعر رويمر فسر الذي أورد فيه رسمًا لمشط كُتبت عليه عبارة لاتينية تقول: Purgat et ornat، أي "يطهّر ويُجمّل". 

وفي نهج مماثل، تناول جايكوب كاتس في كتابه Spiegel van den ouden en nieuwen Tyt (مرآة الزمان القديم والجديد) صورة المشط أيضًا، واصفًا إياه بأداة تُطهّر الجسد وتُصفّي الروح، في إشارة إلى البعد الخلقي الكامن في تفاصيل الزينة الشخصية.

كريستيز تبيع تحفة جيريت دو مقابل 2.66 مليون دولار في لندن

Christie's

وفيما تُظهر معظم الأعمال الأخرى، مثل لوحة كاسبر نيتشر Maternal Care (الرعاية الأمومية)، مشهد فتاة شابة تمشّط شعر طفل، يقدّم جيريت دو معالجة معكوسة للمشهد، إذ يختار تصوير امرأة مسنّة وهي تؤدي هذه المهمة. 

وقد رأت الباحثة إليزابيث هونيغ في هذا التبديل إشارة رمزية إلى مفهوم Vanitas، أي عبور الزمن وزوال الجمال. غير أن الباحثة روني باير التي عاينت اللوحة عن قرب عام 2025 تشكّك في هذه القراءة، معتبرة أن تفسير العمل من هذا المنظور ليس حتميًا، خصوصًا أن دو تناول موضوع المرأة العجوز في لوحات أخرى مثل Old Woman Cutting Bread (عجوز تقطع الخبز) من دون تضمين إشارات مباشرة إلى هذا المفهوم الرمزي.

الصبي الجالس في لوحة دو يرفع في يده قطعة مستديرة صغيرة، وربما تكون زرًا من سرواله بحسب تقدير باير، التي درست العمل عن كثب.