في مزادٍ استثنائي شهدته دار دروو Drouot العريقة في باريس، بيعت لوحة نادرة لبابلو بيكاسو تحمل عنوان Bust of a Woman with a Flowered Hat – Dora Maar (تمثال نصفي لامرأة ترتدي قبعة مزدانة بالزهور – دورا مار)، بمبلغ تجاوز 31.5 مليون دولار أمريكي، لتعود إلى الواجهة بعد ثمانية عقود من الغياب، وتفتح فصلاً جديدًا في العلاقة الخالدة بين الفن والحب والذاكرة.
خلال عام 1943، وفي ذروة الحرب العالمية الثانية، كان بيكاسو يرسم تحت وطأة الاحتلال النازي لباريس. وفي تلك المرحلة القاتمة، تحوّلت ريشته إلى أداة مقاومة صامتة، تسجّل ملامح الأمل وسط الخراب. وكانت دورا مار، المصورة والشاعرة السريالية، حاضرة في حياته وفنه كرمزٍ مزدوجٍ للصلابة والهشاشة، فاختار أن يخلّدها بهذه اللوحة التي جسّدت لحظة وداعٍ أكثر منها مجرّد بورتريه.
عودة عمل مفقود من ذاكرة الحرب
اللوحة اختفت عن الأنظار منذ عام 1944، بعد أن اقتنتها عائلة فرنسية مباشرة عقب الحرب، واحتفظت بها في مجموعتها الخاصة من دون أن تُعرض أو تُذكر في أي سجل فني. طوال ثمانين عامًا، لم يكن من دليلٍ على وجودها سوى صورة فوتوغرافية قديمة، قبل أن تظهر هذا الأسبوع في قاعة المزاد، لتثير دهشة النقاد وجامعي التحف على حد سواء.
هذا الاكتشاف المفاجئ أعاد تسليط الضوء على العلاقة المعقّدة بين بيكاسو ودورا مار، وهي علاقة وُلدت من رحم الإلهام وانتهت على مشارف الانفصال. فكما يصفها خبير المزادات كريستوف لوسيان، تُعد هذه القطعة من «أكثر أعمال بيكاسو تأثيرًا»، إذ رسمها في فترة كان يستعد فيها لبدء علاقة جديدة مع الرسامة الفرنسية فرانسواز جيلو، وكأنه يرسم آخر نظرة قبل الغياب.
ما بين الوداع والخلود
في تفاصيل اللوحة، ينعكس على وجه دورا مزيج من القوة والقلق، بينما تبدو الألوان الغنية كأنها تحاول مقاومة الانكسار. ضربات الفرشاة تحمل توتر العاطفة وتوثّق لحظة إنسانية نادرة: امرأة تتماسك كي لا تنهار، وفنان يختزل في خطوطه الأخيرة ما تبقى من علاقةٍ تتوارى خلف الفن.
Drouot
ورغم حضور المقتني الجديد المزاد بنفسه، فقد آثر البقاء مجهول الهوية، مكتفيًا بلحظة اقتناءٍ تُضاف إلى سجلّ المزادات الكبرى في أوروبا. غير أن القيمة الحقيقية للّوحة تتجاوز الرقم المسجّل. فهي تذكيرٌ بقدرة الفن على النجاة من النسيان، وبأن بيكاسو، حتى في لحظات الوداع، ظلّ يرسم الحياة بألوانٍ لا تخبو.







