على مقربة من ممرات كليفدن الهادئة وذكريات أوائل القرن العشرين، تعود إحدى أكثر سيارات رولز-رويس التاريخية حضورًا إلى دائرة الضوء من بوابة المزادات: إنها سيارة سيلفر غوست 40/50 HP Silver Ghost، النسخة المعروفة التي يحمل هيكلها الداخلي رقم 1861، والتي تستعد للظهور في مزاد آر إم سوذبيز المقرّر في 8 يوليو 2025، بقصر كليفدن هاوس بالمملكة المتحدة، مع تقدير سعري يراوح بين 648 ألف و785 ألف دولار. 

يُتوقع أن تستقطب هذه النسخة النادرة، بفضل سجلّها الحافل وتفردها التصميمي، اهتمام نخبة جامعي السيارات الكلاسيكية حول العالم، إذ إنها تجسّد الحقبة الذهبية التي رسّخت فيها رولز-رويس مكانتها بوصفها "أفضل سيارة في العالم"، كما وصفتها الصحافة المتخصصة آنذاك.

سيارة سيلفر غوست.. تاريخ فني ومكانة أسطورية

يُعد طراز سيلفر غوست Silver Ghost أحد أعمدة الريادة التي قامت عليها سمعة رولز-رويس، ليس بسبب هندسته المتقنة فحسب، بل لما مثّله من نقلة نوعية في مفاهيم الأداء والاعتمادية في بدايات القرن العشرين. 

شكّل المحرّك المستقيم سداسي الأسطوانات، من تصميم هنري رويس، جوهر هذه التجربة الفريدة، بفضل سلاسته اللافتة وقدرته على تحمّل المسافات الطويلة في ظروف تشغيل قاسية. ولم يكن مفاجئًا أن تجد هذه السيارة طريقها إلى صالونات النخبة وأيضًا ميدان المعركة، إذ إنها استُخدمت لاحقًا بوصفها مركبة مدرّعة خلال الحرب العالمية الأولى.

أما النسخة المعروضة اليوم، فتتميّز بهيكل مكشوف قابل للطي أنجزته شركة باركر Barker البريطانية، وهي واحدة من أعرق دور تصميم الهياكل التي تعاونت مع رولز-رويس خلال الحقبة الإدواردية. 

آر إم سوذبيز تعرض  سيارة Silver Ghost من رولز- رويس بسعر يقارب 785 ألف دولار

RM Sotheby’s

وتشير الوثائق الأصلية إلى أن الهيكل كان موجّهًا في الأصل إلى شركة هوبر Hooper ضمن طلبية أولية؛ لكن ما لبثت هذه الخطط أن تغيّرت لاحقًا ضمن صفقة تبادلية بين المصنعين، اقتضت أن يحصل الهيكل الداخلي الذي يحمل رقم 1937 على تصميم من هوبر، فيما يُحوّل الهيكل الداخلي الذي يحمل رقم 1861 إلى باركر لتولي التنفيذ. كانت مثل هذه التعديلات شائعة في تلك الفترة، خصوصًا حين تتغيّر رغبات الزبائن أو يتداخل جدول التسليم مع متطلباتهم.

وكان من المفترض أن يتسلّم السيارة في البداية جون ميلن؛ 

لكن سجلات الطلب تُظهر تعديلًا لاحقًا يُرجّح أن سببه كان رغبة ميلن في الحصول على سيارة بتسليم أسرع. وبناءً على ذلك، جرى إسناد السيارة إلى إيه دبليو غيلمور من لندن، أحد الزبائن الدائمين لرولز-رويس آنذاك، وواحد من جامعي السيارات المعروفين في العاصمة البريطانية. وسجّل غيلمور السيارة عند تسليمها تحت لوحة التسجيل XH 7396، التي لا تزال ترافقها حتى اليوم.

سفر طويل بين القارات والنبلاء

بعد سنواتها الأولى في لندن، انتقلت سيارة سيلفر غوست إلى مقاطعة كِنت حين اقتنتها إي أو لويد، ويُعتقد أنها كانت آنذاك مزوّدة بهيكل من فئة ليموزين قبل أن تُعدّل لاحقًا إلى هيئتها المكشوفة الحالية، في خطوة تعكس تغير الذائقة الجمالية والعملية عبر العقود.

وفي أغسطس عام 1923، دخلت السيارة عهدًا جديدًا حين امتلكها الأرستقراطي البريطاني بيرس ألكسندر هاميلتون إدجكمب، الإيرل الخامس لعائلة ماونت إدجكمب، وأحد المشاركين في حرب البوير عام 1899. 

آر إم سوذبيز تعرض  سيارة Silver Ghost من رولز- رويس بسعر يقارب 785 ألف دولار

RM Sotheby’s

ثم توالت الملكيات بعده، حتى استقرت السيارة عام 1955 في يد مايكل تشابمان، الذي اشتراها مقابل 75 جنيهًا إسترلينيًا فقط (ما يعادل 103 دولارات تقريبًا) ليُرسلها بعد ذلك إلى زوج والدته، جي إيه هادليستون في جنوب إفريقيا، بوصفها وسيلة لإحياء شغفه الميكانيكي في سنوات التقاعد.

هناك، وجدت السيارة اسمها الأيقوني: "تشارلي"، وارتبطت بذكريات لا تُنسى. خاض بها هادليستون جولةً شاقة امتدت لأكثر من 1,200 ميل من ديربان إلى كيب تاون، قبل أن يشارك بها في رالي نيوزيلندا الدولي لعام 1965 بتنظيم من الاتحاد الدولي للمركبات الكلاسيكية (FIVA)، ما أضفى عليها حضورًا عالميًا نادرًا بين سيارات تلك الحقبة.

ترميم شامل وحضور متجدد

في أواخر عام 1990، عادت السيارة إلى موطنها في المملكة المتحدة، حيث تولّى الإشراف عليها الخبير المعروف مارك تايدي، أحد الأعضاء البارزين في نادي ملاك سيارات رولز-رويس. 

آر إم سوذبيز تعرض  سيارة Silver Ghost من رولز- رويس بسعر يقارب 785 ألف دولار

RM Sotheby’s

أجرى تايدي ترميمًا شاملاً للسيارة شمل المحرّك المستقيم سداسي الأسطوانات، وناقل الحركة اليدوي المكوّن من ثلاث نسب، إلى جانب المحور الخلفي. كما استُبدل بالسقف البلاستيكي القديم آخر جلدي، وأعيد تنجيد المقاعد الأمامية، وطُلي الهيكل بلونه الحالي المميز: العنّابي العميق.

ولأن الشغف الحقيقي لا يعرف طريقًا للنهاية، استمرت هذه السيارة في رحلتها مع الزمن، لتُسجّل في عام 1994 مشاركتها اللافتة في رالي "راوند بريتن" Round Britain Rally، وهو حدث مرموق أعادها في إحدى محطاته إلى مدينة ديربي، الموطن الأصلي لشركة رولز-رويس، في لحظة استحضرت فيها صدى الماضي وعبق الصناعة البريطانية الكلاسيكية. 

ومنذ ديسمبر 2000، باتت السيارة في عهدة مالك بريطاني خاص، حافظ عليها بعناية ودقة نادرتين، ما يجعلها اليوم جاهزة للانطلاق في مناسبات سيلفر غوست الكلاسيكية داخل المملكة المتحدة وخارجها، بوصفها واحدة من أصدق الشهادات المتحرّكة على عبقرية رولز-رويس.

تجمع هذه السيارة النادرة بين فخامة التصميم والطابع العملي، فبنيتها المكشوفة القابلة للتعديل تشتمل على حاجب رياح قابل للطي، وحاجز زجاجي فاصل بين المقاعد الأمامية والخلفية، فضلاً عن مقاعد قابلة للفتح والطي في المؤخرة. وتُعرض السيارة اليوم مع صندوقي معدات، ولفافة أدوات أصلية، ومجموعة أدوات زينة أنيقة، ما يكرّس حضورها بوصفها رفيقة مثالية لجولات الطراز الكلاسيكي.