في هذا السياق، عبّرت خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم - حي دبي للتصميم، عن فخرها بما سيقدّمه الحدث هذا العام، قائلة: "إنّ نسخة هذا العام من أسبوع دبي للتصميم تُجسّد روح الابتكار والتنوّع التي يتميّز بها حي دبي للتصميم. فقد نشهد مشاركة أكثر من ألف مصمم وعلامة تجارية، من الأسماء الراسخة والمواهب الصاعدة، في مشهد إبداعي يعكس القيم الجوهرية التي نؤمن بها، من إلهام التصميم، وتبادل المعرفة، إلى التنمية المجتمعية وتعزيز التعاون، فضلاً عن دعم المواهب وتمكينها في بيئة تحتضن الإبداع وتدفعه نحو آفاق عالمية".

المعارض والتركيبات الفنية

تحتضن نسخة عام 2025 من أسبوع دبي للتصميم برنامجًا ثريًا من المعارض والفعاليات التي تفتح آفاقًا جديدة أمام الحوار الإبداعي، إذ تتنوع التجارب بين المعارض البصرية، والمبادرات الثقافية، والمشاريع المؤقتة التي تجمع بين الفن والتكنولوجيا والمواد. ومن بين الفعاليات يبرز معرض المصممين الإماراتيين، الذي يعود هذا العام برؤية متجددة تدعم المواهب الشابة بإشراف هيئة دبي للثقافة والفنون، وأيضًا الملتقى الإقليمي للهندسة المعمارية الذي ينظمه حي دبي للتصميم بالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للمهندسين المعماريين، مُتيحًا نماذج من الممارسات الدولية والإقليمية التي تعيد التفكير في مفهوم المجتمع والحيّز العمراني.

كما تسلّط دار الساعات السويسرية جيجر-لوكولتر Jaeger-LeCoultre الضوء على تاريخ ساعة ريفيرسو في معرض غامر يستعيد حكايتها من خلال تصاميم تجمع بين الدقة الهندسية والفن والحِرَف اليدوية. أما مدرسة ليكول الشرق الأوسط التي تدعمها فان كليف أند آربلز، فتستضيف للمرة الأولى معرضًا عالميًا في حرمها بالحي، يحتفي بفن الجواهر بوصفه مساحة حوار بين الشرق والغرب.

وبعد أن يختبر الزوار تنوع المشهد المعرفي والفني في تلك المعارض، تنتقل التجربة إلى فضاءات الهواء الطلق، إذ تتحول شوارع وساحات حي دبي للتصميم إلى معرض مفتوح يحتضن أكثر من ثلاثين عملاً تركيبيًا ضخمًا. هنا تتلاقى العمارة بالفن، ويتحوّل المكان إلى كيان حيّ يدعو إلى التفاعل والاكتشاف والمشاركة.

تنطلق المشاركة المحلية بقوة هذا العام عبر مشاريع إماراتية تمزج بين الحسّ الإبداعي والاستدامة. فتُتيح شركة إيرث كوليكتيف Earth Collective هيكلاً تجريبيًا مصنوعًا من مادتي DuneCrete وDateForm اللتين طوّرتهما محليًا بخصائص منخفضة الانبعاثات، فيما يعيد استوديو أجزال ابتكار مفهوم المجلس الإماراتي مستخدمًا الحجر من الشارقة وجلود الإبل المنفذة يدويًا، ويعرض الجناح الوطني لدولة الإمارات مشروع "قدر الضغط"، وهو نموذج أولي لبيت زجاجي قادر على دمج أنظمة الزراعة مع الهندسة المعمارية في بيئة واحدة قائمة على أسس بيئية.

أما المشاركات الإقليمية والدولية، فتضيف أبعادًا جديدة للحوار البصري. تكشف اليابان من خلال شركة نيكين سيكي Nikken Sekkei عن تركيب خشبي يعيد إحياء فن النجارة التقليدي في قالب معاصر، فيما تقدّم الشركة البريطانية غريمشو Grimshaw، بالتعاون مع الفنانة نورا زيد، عملاً من الأسطوانات الشفافة التي تتحرك مع الضوء لتحاكي كيفية نشوء المجتمعات وتطورها. وفي سياق يحتفي بالحِرَف، تعرض ديزاين لاب إكسبيرينس Design Lab Experience منحوتة من السلال المنسوجة يدويًا تكريمًا لفنون النسيج في المنطقة. كما يكشف مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي عن مشروع بتوقيع استوديو إيزاسكون شينشيلا Isascon Chinchilla الإسباني، فيما تقدّم بي إم دبليو الشرق الأوسط، الراعي الرسمي للمهرجان، تركيبًا فنيًا صُمم على نحو خاص للاحتفاء بفلسفة العلامة التي تمزج بين الحركة والجمال والاستدامة.

داون تاون ديزاين.. تجلّيات التصميم الراقي

في إطار فعاليات أسبوع دبي للتصميم، يعود معرض داون تاون ديزاين ليُطلّ على الجمهور من جديد، متّخذًا من شرفة الواجهة البحرية في حي دبي للتصميم مسرحًا لعرض أحدث ما توصّلت إليه العقول التصميمية من ابتكارات ومفاهيم معاصرة. يتحوّل المعرض إلى ملتقى عالمي يحتفي بجماليات التصميم الراقي، ويكشف عن رؤى جديدة في مجالات الأثاث، والإضاءة، والمواد، والديكورات العصرية، والإكسسوارات.

ويتميّز هذا الحدث السنوي بقدرته على الجمع بين الأسماء العريقة والمواهب الصاعدة، إذ يشارك فيه نخبة من العارضين مثل بولترونا فراو، وكارتيل، وهُدى لايتنغ، وكوهلر، وعبجي هوم، وفينيني، وفيترا. ويشهد الحدث هذا العام أسماء تنضم لأول مرة، منها روش بوبوا، وستيلار ووركس، وكاليكوو، ووالبيبر، وبوراداو، وديسالتوو، والثنائي الإبداعي دراغا وأوريل، إلى جانب المصممة الفرنسية ستيفاني كوتاس.

أما على الصعيد الإقليمي، فيُسلّط المعرض الضوء على تجارب تصميمية متميزة، منها أعمال بيت كوليكتيف المصنوعة في لبنان، والإطلالة الأولى لمشروع ستراتا من توقيع المصمم الباكستاني يوسف شباز، إلى جانب معرض صُمم في السعودية تنظمه لجنة التصميم والهندسة المعمارية التابعة لوزارة الثقافة السعودية، ومشاركة ديزاين سبيس 1971 من الشارقة للفنانتين لينا غالب ونُهيّر زين، إلى جانب مجموعة منحة أثاث التي تُتيحها مؤسسة مايك في أبوظبي، وبرنامج تنويين السنوي من تشكيل، ليكوّن المعرض بكل عناصره لوحة غنية تحكي قصة الإبداع العربي المعاصر وتمنح الجمهور تجربة تفاعلية تُثري الحسّ الجمالي وتفتح آفاقًا جديدة للتصميم في المنطقة.

تزامنًا مع معرض داون تاون ديزاين، يبرز معرض إيديشنز بوصفه مساحة تستكشف حدود التصميم والفن المعاصر من خلال أعمال محدودة الإصدار تدفع بالمألوف نحو عوالم جديدة من التعبير. المعرض لا يكتفي بالعرض، بل يُتيح رؤى وصيغًا فكرية حول القيمة الجمالية والابتكار التقني. بين أجنحته، يتجدد اللقاء بين الشرق والغرب، من الإطلالة الأولى للفن الياباني عبر معرض جيك آرت، إلى الأعمال القائمة على الذكاء الاصطناعي للفنانة إيلا كولومبو في دبي، مرورًا بتعاون بين ديفيد ونيكولاس مع إيوان مكتبي، وأورينت 499 في صياغة حوار بصري يعيد تعريف الحرفة الحديثة. كما يرسّخ بيرو أوف إنوفيشن حضور التصميم بوصفه مختبرًا لتبادل الأفكار مع عرض عالمي أول لأعمال توم فيريدَي.

الأشغال المدنية.. فضاءات معمارية

في كل دورة من أسبوع دبي للتصميم، تخرج جائزة الأشغال المدنية من حيز الفكرة إلى فضاء المدينة، لتعيد طرح السؤال الأزلي: كيف يمكن للتصميم أن يعيد تعريف علاقتنا بالأماكن العامة؟ فالمسابقة السنوية باتت بمنزلة مختبر حي لاختبار أثر الإبداع في صياغة تفاصيل الحياة اليومية وإحياء التفاعل الإنساني في فضاءاتنا المشتركة.

في نسخة عام 2025، اتجهت البوصلة نحو الفناء، باعتباره رمزًا متجذرًا في ذاكرة المنطقة، ومفهومًا يتخطى الزمن والجغرافيا. فالفناء، هذا الكيان الذي جمع يومًا بين الراحة والانفتاح، والخصوصية والتبادل، يعود اليوم بوصفه مركزًا للتفكير في المستقبل العمراني.

أبواب.. تفاصيل الهوية البصرية

منذ انطلاقه عام 2015، شكّل برنامج أبواب أحد مساحات الحوار الإبداعي الأبرز ضمن أسبوع دبي للتصميم، جامعًا بين المصممين من غرب وجنوب وشرق آسيا إلى إفريقيا، في رحلة بحث مستمرة عن المعنى والجمال في تفاصيل الحياة اليومية. لا يكتفي البرنامج بعرض الأجنحة والتركيبات الفنية، بل يفتح الباب أمام التجريب والتبادل الفكري من خلال تكليفات سنوية ترتكز على قضايا معاصرة تربط بين المحلي والعالمي.

هذا العام، يتخذ البرنامج من عنوان "في التفاصيل" نقطة انطلاق لاستكشاف العلاقة بين الحِرفة والفكر، داعيًا المشاركين إلى قراءة الزخرفة بوصفها منظومة معرفية بصرية تتجاوز حدود الجمال الزخرفي إلى فضاء الثقافة والرمز والذاكرة. فالتفاصيل التي تشكّل العمارة والمنسوجات والأغراض اليومية ليست مجرد زينة، بل لغة تحفظ الموروث البصري وتعبّر عن حسّ الإنسان وصِلاته بالمكان والزمن.

الدورات التدريبية المتقدمة

تتوزع أنشطة الإبداع في حي دبي للتصميم بين التعلم والحوار والممارسة، فيجد الزائر نفسه محاطًا بفضاءات تنبض بالحرفية والمعرفة. في قلب هذه التجربة، يُتيح برنامج ورش العمل مساحة شُكّلت على نحو خاص للمبدعين الراغبين في توسيع آفاقهم واكتساب مهارات جديدة، ضمن بيئة ديناميكية تجمع بين التجريب والممارسة العملية. تمتد الورش لتشمل تخصصات متعددة في التصميم، وتشرف عليها نخبة من الأكاديميين من مؤسسات مرموقة مثل جامعة الفنون في لندن ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى جانب مشاركات من مكاتب تصميم ومبادرات إبداعية إقليمية مثل "توثيردز" ودار "كاف للكتب"، إلى جانب مجموعات تصميم مستقلة ومنظمات ثقافية تُغني التجربة برؤى متنوعة.

وفي مساحة أخرى من الحي، يستمر منتدى داون تاون ديزاين في تقديم سلسلة من الجلسات الحيّة التي تجمع رموز التصميم حول العالم لمناقشة قضايا الإبداع والاتجاهات المستقبلية. من أبرز المشاركين هذا العام المصمم البريطاني المعروف توم ديكسون في أول ظهور له في دبي، إلى جانب لي بروم وإيزابيل ستانيسلاس اللذين يقدمان مقاربات جديدة تربط بين الفن والمواد والتقنية.

أما التجربة الأكثر حيوية، فتتمثل في سوق التصميم، المقرر انعقاده يومي 8 و9 نوفمبر. يعرض السوق طيفًا واسعًا من المنتجات المصنوعة يدويًا: من الجواهر والأزياء إلى الأدوات المنزلية ومنتجات أسلوب الحياة المستدامة، وسط أجواء تتداخل فيها الموسيقى والطهي والعروض الحية والأنشطة الأسرية لتقديم تجربة مجتمعية شاملة تحتفي بالفكر الحِرَفي وروح الإبداع.

وهكذا، يختتم أسبوع دبي للتصميم فعالياته على وقع تساؤلات عميقة حول دور التصميم في صياغة المجتمع وتشكيل طرق التواصل بين البشر، ليبقى الإبداع في دبي أكثر من مجرد ممارسة جمالية؛ إنه قوة تجمع الناس وتصنع الأثر عبر الأزمان والثقافات. وعن جوهر رسالة هذا العام، تقول ناتاشا كاريلا، مديرة أسبوع دبي للتصميم: "يحمل برنامج هذا العام رؤية أكثر تأمّلاً، إذ نستكشف التصميم ليس بوصفه أداة للابتكار فحسب، بل قوة اجتماعية وثقافية تؤثر في أسلوب حياتنا المشترك، وطرق تواصلنا، وأنظمة الرعاية التي نعتمدها".