عالم المزادات ليس مجرد منصات للبيع والشراء، بل هو مسرح تُستعاد فيه أمجاد الماضي وتُقدَّر فيه قيمة الأيقونات التي صنعت تاريخًا حافلًا. هناك، تتحول السيارات الكلاسيكية إلى قطع فنية تتجاوز قيمتها المادية لتجسد تاريخًا حافلاً بالبطولات والتصميم والهندسة المتفردة.
ومن بين مئات الطرز التي مرت عبر المنصات العالمية، برزت مجموعة من السيارات التي خطفت الأضواء بأسعارها القياسية وقصصها الاستثنائية. في ما يأتي نستعرض أغلى 10 سيارات شهدتها المزادات العالمية.
Ferrari 290 MM من عام 1956 - أسطورة مانويل فانجيو
تُعد سيارة Ferrari 290 MM من عام 1956 من فيراري واحدة من أعظم سيارات السباقات التي خرجت من مارانيلو في خمسينيات القرن الماضي، إذ وُلدت خصوصًا لخوض تحديات سباق الألف ميل.
وما يمنح هذه النسخة قيمة استثنائية هو ارتباطها المباشر بالأسطورة خوان مانويل فانجيو بطل العالم خمس مرات في الفورمولا1، والذي عُدّ أحد أعظم السائقين في التاريخ. الجمع بين هندسة فيراري المتقدمة آنذاك واسم فانجيو جعل من السيارة أيقونة نادرة.
لم تكن قوة السيارة وحدها ما رسّخ مكانتها، بل جمالها الفريد أيضًا. فقد جاءت مقدمتها بتدرج لوني لافت يجمع بين الأزرق والأصفر، لتتحول إلى أيقونة بصرية سبقت عصرها وأصبحت علامة فارقة في تاريخ التصميم الإيطالي.
هذا المزج بين الأداء السباقي الخالص والأناقة المترفة منح السيارة هالة استثنائية، جعلت بيعها من خلال دار آر إم سوذبيز للمزادات عام 2015 مقابل 28 مليون دولار أمريكي أشبه بإعادة الاعتراف بمكانتها بوصفها إحدى أعظم إبداعات فيراري التي لا تُقدّر بثمن.
RM Sotheby’s
Mercedes-Benz W 196 من عام 1954 - السهم الفضي الذي سحر الحلبات
لا يمكن الحديث عن تاريخ الفورمولا1 من دون التوقف عند مرسيدس-بنز W 196. هذه الآلة الفائقة أعادت صياغة مفهوم الهيمنة عندما قادها كل من فانجيو وستيرلينغ موس في موسمي 1954 و1955، محققة تسعة انتصارات من أصل 12 سباقًا، وحاصدة بطولتين عالميتين.
النسخة التي عُرضت في دار بونهامز للمزادات عام 2013 وبيعت مقابل 29.6 مليون دولار أمريكي، ليست مجرد سيارة سباق عادية، بل النسخة الأولى التي حققت الفوز في سباق فرنسا الكبير عام 1954، وتميزت أكثر بكونها الوحيدة المتاحة للملكية الخاصة، بعدما احتفظت المصانع والمتاحف بجميع النسخ الأخرى.
هذا المزيج الفريد من الإرث البطولي والندرة المطلقة جعلها واحدة من الجواهر النادرة التي يشهدها عالم المزادات.
Bonhams
Ferrari 412 P Berlinetta من عام 1967 - قطعة نادرة بثلاثين مليون دولار
تبقى سيارة Ferrari 412 P Berlinetta من عام 1967 من فيراري من الإبداعات النادرة التي خرجت من مارانيلو، إذ لم يُنتج منها سوى نسختين، ما جعلها قطعة استثنائية يتعامل معها جامعو السيارات بوصفها أيقونة لا تُقدّر بثمن.
هذه السيارة الفريدة جمعت بين محرك V-12 بسعة 4.0 لترات مثبت في الخلف، وهيكل مستعار من طراز 330 P3، وخطوط خارجية مستوحاة من P4، لتجسد تزاوجًا مثاليًا بين القوة الهندسية الإيطالية وجمال التصميم الانسيابي الذي منح فيراري تفردها في تلك الحقبة.
في مزاد أقامته دار بونهامز عام 2023، لفتت النسخة الأنظار حين بيعت مقابل 30.25 مليون دولار أمريكي، في صفقة عكست مكانتها الفريدة.
فهي ليست مجرد سيارة نادرة، بل بطلة خالدة في تاريخ السباقات بعدما أسهمت في تتويج فيراري ببطولة العالم للمصنّعين عام 1967.
ورغم أن سعر البيع جاء أقل بعشرة ملايين دولار عن التقديرات المسبقة، غير أن قيمتها التاريخية تبقى أبعد بكثير من أي رقم، بوصفها شاهدًا حيًا على أمجاد فيراري في حقبة الستينيات.
Bonhams
Ferrari 335 S من عام 1957 - أيقونة موسم المجد
إذا كان هناك طراز يجسد أوج هيمنة فيراري في خمسينيات القرن الماضي، فهو بالتأكيد Ferrari 335 S من عام 1957. هذه الآلة الاستثنائية لم تكن مجرد سيارة سباق، بل منصة انتصارات قادها كبار السائقين في تلك الحقبة، مثل وولفغانغ فون تريبس، وبيتر كولينز، ولويجي موسو، لتشكل تلك المرحلة موسمًا تاريخيًا لا يُنسى، توّج فيه اسم فيراري ببطولة العالم للمصنّعين عام 1957، واحتفظت لنفسها بمكانة متقدمة في سباقات الألف ميل الشهيرة.
وعندما عُرضت هذه النسخة النادرة من خلال دار آرتكوريال للمزادات عام 2016، كان بيعها مقابل 35.7 مليون دولار انعكاسًا طبيعيًا لقيمتها المتفردة.
Artcurial
Ferrari 250 LM by Scaglietti من عام 1964- تصميم سكالييتي الفاخر
لطالما ارتبط اسم فيراري بالسباقات الطويلة، لكن قلة من الطرز حملت هذا الإرث مثل Ferrari 250 LM by Scaglietti من عام 1964، والتي صممها سكالييتي، أحد أبرز مصممي هياكل السيارات في تاريخ فيراري.
هذه السيارة النادرة التي بيعت من خلال دار آر إم سوذبيز للمزادات عام 2025 مقابل 36.3 مليون دولار أمريكي، خرجت من عباءة متحف إنديانابوليس موتور سبيدواي لتعيد للأذهان لحظة مفصلية في تاريخ العلامة الإيطالية.
تميّزت هذه النسخة بإنجاز استثنائي جعلها مختلفة عن كل ما سبقها؛ فهي السيارة الوحيدة من فريق خاص التي انتزعت الفوز في سباق لومان 24 ساعة، والوحيدة التي شاركت في ست نسخ من السباق خلال فترة إشراف إنزو فيراري شخصيًا على شركته.
هذا السجل الفريد، إلى جانب تصميمها الانسيابي ومحركها V-12 سعة 3.0 لترات، جعل منها قطعة لا يمكن تكرارها، أقرب إلى عمل فني متحرك يعكس عبقرية فيراري وجرأة سكالييتي في إعادة تعريف مفهوم سيارة السباقات الطويلة.
RM Sotheby’s
Ferrari 250 GTO من عام 1962 - جوهرة الستينيات
تُعد فيراري Ferrari 250 GTO من عام 1962 أيقونة السيارات الكلاسيكية بلا منازع. فهي الطراز الذي يجسد روح فيراري ويمثل ذروة إبداعها في التصميم والهندسة في أوائل الستينيات.
لم يُنتج منها سوى 36 نسخة، وما يزيد من تفردها هو أن النسخ كلها لا تزال باقية حتى اليوم، لتصبح بذلك أسطورة حيّة يندر وجود شبيه لها في عالم السيارات.
النسخة التي بيعت من خلال دار بونهامز للمزادات عام 2014 مقابل 38 مليون دولار أمريكي حملت سجلاً فريدًا، إذ ظلت مملوكة لعاشق السيارات الإيطالي فابريتسيو فيولاتي لنحو نصف قرن، ولم يكتفِ خلالها بعرضها، بل قادها في بضعة سباقات كلاسيكية، ليحافظ على روحها التنافسية كما أراد لها إنزو فيراري.
جمعَت شهرتها بين ندرة الإنتاج وروعة التصميم الخالد وقوة الأداء بمحرك V-12 سعة 3.0 لترات، الأمر الذي جعلها في ذلك الوقت أغلى سيارة تُباع في مزاد على مستوى العالم.
Bonhams
Ferrari 250 GTO من عام 1962 - نسخة أخرى بسعر 48.4 مليون دولار
بعد أربع سنوات فقط من بيع النسخة الأولى، عادت Ferrari 250 GTO من عام 1962 لتكسر الأرقام مجددًا في مزاد لدار آر إم سوذبيز عام 2018، حين بيعت نسخة أخرى منها مقابل 48.4 مليون دولار أمريكي، لتصبح حينها الأغلى على الإطلاق.
ما يميز هذه السيارة هو أنها كانت الثالثة التي خرجت من خطوط الإنتاج، واحتفظت بأكثر من 95% من أجزائها الأصلية، لتتحول إلى قطعة متحفية حقيقية تعكس روح حقبة الستينيات بمختلف تفاصيلها.
هذا التفرد في الأصالة وحالة الحفظ الاستثنائية يوضحان كيف يمكن أن تقفز القيمة بملايين الدولارات بين نسخة وأخرى، حتى وإن حملتا الاسم نفسه.
ففي عالم المزادات، ليست الشهرة وحدها ما يحدد السعر، بل النقاء التاريخي والاقتراب من الحالة التي خرجت بها السيارة من المصنع قبل أكثر من نصف قرن.
RM Sotheby’s
Ferrari 330 LM / 250 GTO من عام 1962 - من الحلبة إلى المنصات
تُعد Ferrari 330 LM / 250 GTO من عام 1962 من كنوز مارانيلو الأشد ندرة، وقد ارتقت إلى القمة عندما بيعت في مزاد لدار آر إم سوذبيز عام 2023 مقابل 51.7 مليون دولار أمريكي.
ورغم أن مسيرتها الرياضية لم تكن الأطول أو الأكثر توهجًا، إلا أنها سطرت لحظة استثنائية بفوزها عن فئتها في سباق نوربورغرينغ 1000 كيلومتر عام 1962، لتثبت مكانتها بوصفها سيارة سباق أصيلة.
وما يمنح هذه النسخة قيمة مضاعفة هو كونها واحدة من سيارتين فقط نافستا رسميًا تحت لواء فريق سكوديريا فيراري، ما يربطها مباشرة بتاريخ المصنع ونجاحاته في ساحات المنافسة.
وعلى مدار العقود التالية، خرجت السيارة من حلبات السباق لتتألق في ساحات مختلفة، إذ حصدت جوائز بارزة في مسابقات السيارات الكلاسيكية، لتتحول من متسابقة شرسة إلى قطعة فنية متحركة، تُعرض بوصفها رمزًا خالدًا يجمع بين الإرث الرياضي والبعد الجمالي في عالم فيراري.
RM Sotheby’s
Mercedes-Benz W 196 R Stromlinienwagen من عام 1954 - السهم الفضي الانسيابي
وسط قائمة تهيمن عليها سيارات فيراري، أظهرت سيارة W 196 R Stromlinienwagen من عام 1954 من مرسيدس-بنز حضورًا استثنائيًا لافتًا، حين خطفت الأضواء في مزاد لدار آر إم سوذبيز عام 2025 ببيعها مقابل 53 مليون دولار أمريكي.
السيارة ذات الخطوط الانسيابية والعجلات المغطاة لتعزيز السرعة القصوى، لم يُنتج من نسختها الانسيابية سوى أربع سيارات فقط من أصل 14 سيارة W 196 R بُنيت في المجمل.
ما يضاعف من قيمتها هو أن أسطورتين مثل خوان مانويل فانجيو وستيرلينغ موس جلسا خلف مقودها في سباقات الفورمولا1، لتتحول من مجرد نموذج تجريبي إلى أيقونة سباقات حقيقية.
ومع كونها أول نسخة تُطرح للملكية الخاصة بعد أن كانت حبيسة متحف إنديانابوليس، بدا بيعها بهذا الرقم الفلكي نتيجة طبيعية لمسيرة تجمع بين جرأة التصميم الألماني وأمجاد الحلبات.
RM Sotheby’s
Mercedes-Benz 300 SLR Uhlenhaut Coupe من عام 1955 - الرقم القياسي بسعر 142 مليون دولار
تتربع على قمة هذه القائمة مرسيدس-بنز "أولنهوت كوبيه" Mercedes-Benz 300 SLR "Uhlenhaut Coupe" 1955، التي بيعت من خلال دار آر إم سوذبيز للمزادات عام 2022 مقابل 142 مليون دولار أمريكي، محطمة مختلف الأرقام القياسية السابقة بفارق يناهز 94 مليون دولار.
بهذا السعر الخيالي أصبحت أغلى سيارة في العالم على الإطلاق، وليس مجرد أغلى صفقة تُباع في مزاد.
RM Sotheby’s
وما زاد من رمزية هذه الصفقة هو أن كامل عائداتها وُجّهت إلى تأسيس صندوق مرسيدس-بنز لدعم الأبحاث والمنح التعليمية من أجل مستقبل أكثر استدامة، لتجمع السيارة بين إرث الماضي ورؤية الغد.
ومع تصميمها الأيقوني بلونها الفضي وسقفها المنحني المميز، تظل "أولنهوت كوبيه" تحفة خالدة تجسد أرفع ما وصلت إليه الهندسة الألمانية من دقة وإبداع.