في عالم السيارات، هناك من يبتكر، وهناك من يغامر، ثم هناك مرسيدس، التي لا تكتفي بكسر القواعد، بل تعيد صياغتها من جديد. عبر تاريخها الطويل، لم تكن النماذج الاختبارية من مرسيدس مجرد تمارين في التصميم أو عروض تقنية، بل كانت نوافذ تطل منها الشركة الألمانية على المستقبل، وتطرح من خلالها سؤالاً جريئًا: ما الذي يمكن أن يحدث حين يلتقي الخيال بالهندسة؟
في هذا التقرير، نستعرض ستة من النماذج الاختبارية الأشد غرابة والأكثر جرأة في تاريخ مرسيدس. استعد لرحلة عبر الزمن، والتصميم، والرؤية، إذ لا شيء يبدو مستحيلاً، وكل فكرة، مهما بدت بعيدة، تجد طريقها إلى أرض الواقع.
Vision SLA.. تجربة جريئة لم تكتمل
في مطلع الألفية، قررت مرسيدس أن تكسر القواعد وتغامر خارج نطاقها المعتاد، فكشفت في معرض ديترويت الدولي للسيارات لعام 2000 عن نموذج اختباري غير مألوف: Vision SLA، سيارة مكشوفة صغيرة الحجم، كانت تهدف إلى دخول فئة السيارات المدمجة بخطوة غير مسبوقة من الصانع الألماني. بنيت السيارة على قاعدة A-Class، لكنها جاءت بطول لا يتجاوز 3.77 متر، ووزن أقل من طن، بفضل استخدام مواد خفيفة مثل الألمنيوم والبلاستيك، إلى جانب مقاعد مصنوعة من ألياف الكربون، ما منحها رشاقة استثنائية.
ورغم أن تصميمها استلهم روح سيارة Mazda MX-5، إلا أن ردود الفعل لم تكن في صالحها، إذ لم يلقَ شكلها قبولاً واسعًا. ومع تعمق مرسيدس في دراسة تكاليف الإنتاج، اتضح أن المشروع لن يكون مجديًا اقتصاديًا، فجرى إلغاؤه قبل أن يرى النور تجاريًا. ومع ذلك، تبقى Vision SLA واحدة من محاولات مرسيدس الأكثر جرأة لكسر النمط التقليدي، وتجسيد فكرة "ماذا لو؟" في عالم السيارات.
Mercedes BLOG
Vision AVTR.. الخيال السينمائي
ماذا يحدث عندما تندمج عبقرية التصميم الألماني مع عالم خيالي غني بالألوان والمخلوقات العجيبة؟ النتيجة كانت Vision AVTR، سيارة مستوحاة بالكامل من فيلم أفاتار للمخرج جيمس كاميرون. الاسم جاء اختصارًا لعبارة التحول المتقدم للمركبات Advanced Vehicle Transformation، اسم يعكس تمامًا فلسفة التصميم التي تجاوزت حدود الواقع.
لم تكن السيارة مجرد نموذج مستقبلي، بل كانت تجسيدًا حيًا لعالم باندورا الخيالي؛ فجاءت بخطوط انسيابية عضوية خالية من الزوايا الحادة، وأبواب شفافة، وزُوّدت بما يُعرف بالزعانف الحيوية على ظهرها، والتي تُمكّنها من التفاعل مع البيئة المحيطة بطريقة أقرب للكائنات الحية منها للآلات. أما العجلات، فكانت ثورية بحق: كروية الشكل، تتيح للسيارة التحرك بشكل مائل، في حركة لم تُرَ من قبل في أي مركبة.
Mercedes-Benz
Ener-G-Force.. مركبة سبقت عصرها
لم يكن ظهور سيارة مرسيدس Ener-G-Force في عام 2012 مجرد عرض تصميمي في معرض لوس أنجليس للسيارات، بل كان ردًا جريئًا على تحدٍ طرح سؤالاً بسيطًا: كيف ستبدو سيارة الشرطة في عام 2025؟ وفيما اختار البعض حلولاً واقعية، قررت مرسيدس أن تتجاوز التوقعات، وقدّمت نموذجًا يبدو كأنه هبط من عالم الخيال العلمي.
بتصميم عضلي صارم وواجهات زجاجية صغيرة تحيط الضباط، جاءت سيارة Ener-G-Force لتجسّد مفهوم الحماية المتقدمة. أضواء الطوارئ فيها لم تكن مجرد إضافات، بل عناصر مصممة لتفرض حضورًا لا يمكن تجاهله، حتى في البيئات الاشد تعقيدًا. أما العجلات، فكانت ضخمة بشكل يضمن قدرة المركبة على اجتياز أي تضاريس، حتى تلك التي لا تحتوي على طرق من الأساس.
ورغم أن النموذج لم يُنتج تجاريًا، إلا أن سيارة Ener-G-Force لا تزال حتى اليوم تُذكر بوصفها واحدة من سيارات مرسيدس الاختبارية الأكثر تطرفًا وتجسيدًا لفكرة أن التصميم يمكن أن يكون استباقيًا، وليس مجرد انعكاس للواقع.
Mercedes-Benz of Denver
EQ Silver Arrow.. المجد الكلاسيكي
في عام 2018، وقفت مرسيدس أمام جمهورها لتقدم تحية فنية مذهلة لتاريخها العريق في عالم السباقات، عبر نموذج اختباري حمل اسم EQ Silver Arrow. كانت السيارة تجسيدًا عصريًا لأسطورة سباقية خالدة: W125 Rekordwagen، التي سجّلت في عام 1938 رقمًا قياسيًا للسرعة بلغ 432.7 كيلومتر في الساعة، وظل صامدًا لعقود.
جاءت سيارة EQ Silver Arrow بانسيابية تحاكي روح تلك الحقبة، وهيكل مصنوع بالكامل من ألياف الكربون، ومقصورة أحادية المقاعد تعكس طابع سيارات السباق الكلاسيكية. لكن الفارق الجوهري كان في القلب النابض: فقد استبدلت مرسيدس بمحرك V12 محركًا كهربائيًا بقوة 750 حصانًا، مدعومًا ببطارية سعتها 80 كيلوواط، في خطوة تهدف إلى ترسيخ هوية علامة EQ الكهربائية، وربطها بجذور الأداء العالي الذي لطالما ميّز سياراتها.
Mercedes-Benz
Vision Simplex.. الإرث العريق برؤية المستقبل
للماضي أوجه متعددة لا تقتصر على أمجاد السرعة والتفوق التقني، بل تمتد إلى اللحظة الأولى التي وُلدت فيها الفكرة، وشُكّلت فيها الهوية. من هذا العمق، استلهمت مرسيدس نموذجها الاختباري Vision Simplex عام 2019، بوصفه امتدادًا لإرث أول سيارة حملت اسم مرسيدس على الإطلاق: Mercedes 35 PS التي ظهرت عام 1901.
تلك السيارة التاريخية كانت نقطة التحول في عالم المركبات، إذ كسرت آنذاك الشكل التقليدي لعربات الخيول المرتفعة، وقدّمت مفهومًا جديدًا للسيارة المنخفضة ذات المحرك الأمامي والمبرد المكشوف، لتؤسس بذلك لمعايير جديدة في عالم تصميم السيارات الحديثة.
أما النسخة المعاصرة، فقد جاءت تجسيدًا بصريًا وفنيًا لرحلة امتدت لأكثر من قرن، إذ امتزجت فيها عناصر الماضي مع تقنيات المستقبل. حمل تصميمها روح القرن الحادي والعشرين، بواجهة أمامية متحركة تنبض بالحياة، ونظام دفع كهربائي بالكامل، في خطوة تعكس التزام مرسيدس بالتحول نحو الاستدامة من دون التخلي عن هويتها التاريخية.
MBUSA
Project Maybach.. تكريم من عالم الموضة
في ديسمبر 2021، وقفت سيارة مرسيدس-مايباخ أمام العالم لتقدم شيئًا يتجاوز حدود الصناعة، ويقترب من الفن الخالص. لم يكن الكشف عن السيارة مجرد عرض لنموذج كهربائي خارق، بل كان تكريمًا استثنائيًا للمصمم العالمي فيرجيل أبلوه، الذي شارك بنفسه في تصميم السيارة قبل رحيله، لتتحول إلى رسالة بصرية خالدة تمزج بين الفخامة، والابتكار، والروح الحرة التي ميّزت أعماله.
السيارة جاءت بطول يقارب ستة أمتار، وهو رقم يكسر الأعراف في عالم المركبات المخصصة للطرق الوعرة.
لكن هذا الحجم لم يكن استعراضًا شكليًا، بل انعكاسًا لهوية تصميمية جريئة، إذ زُوّدت السيارة بقفص حماية كامل، ودرع سفلي مستوحى من سيارات المهام الخاصة، إلى جانب ثمانية كشافات أمامية تمنحها حضورًا بصريًا لا يُخطئه النظر، وإطارات ضخمة تعزز من قدرتها على تحدي التضاريس القاسية.
أما جوهر الابتكار، فكان في اعتمادها الكامل على الطاقة الكهربائية، مع دعم بإضافة غير مألوفة: ألواح شمسية مدمجة تحت غطاء شفاف، تتيح للسيارة شحن بطاريتها ذاتيًا، في مشهد يجمع بين الاستدامة والتفرد الهندسي، ويعكس رؤية مستقبلية تتجاوز المألوف.
mercedes-benz
لم تُصمم سيارة مرسيدس-مايباخ لتُنتج أو تُباع، بل لتكون بيانًا فنيًا يحمل توقيع أبلوه الأخير، ويجسّد كيف يمكن للفخامة أن تتقاطع مع الوظيفة، ولعالم الأزياء أن يندمج مع هندسة السيارات، في تجربة نادرة لا تتكرر كثيرًا في تاريخ الصناعة.






