في نظر حديثي العهد بعالم الساعات، قد تبدو ساعة Classique 7637 التي أصدرتها بريغيه أخيرًا مثل أي طرازٍ يكتفي بإظهار الوقت. ولكن قلبها ينبض بتعقيد يُعد من التعقيدات الأكثر نخبوية في عالم الساعات: معيد الدقائق. تُعد هذه القطعة تحفةً فنية تُجسد الفخامة الهادئة (بغض النظر عن الرنين)، وقد اجتمعت فيها البنية الهندسية بالغة التعقيد والتشطيبات البارعة في مزيج كلاسيكي بامتياز شكل مدار تخصص تفوّقت فيه الدار السويسرية التي تأسست قبل 250 عامًا تقريبًا.

كان المؤسس أبراهام لويس - بريغيه قد استحدث تقنية الأجراس المستندة إلى النابض العمودي بدلاً من النواقيس التقليدية السائدة آنذاك، والتي خضعت في ما بعد لتعديلات عدة قبل اتخاذها هيئة الأجراس اللولبية الشائعة اليوم. في الساعة الجديدة، جرى تثبيت الأجراس في منتصف العلبة عوضًا عن تثبيتها على الصفيحة، وذلك لضمان انبعاث الرنين على نحو أفضل.

لا يعود الفضل في التكوين النهائي الذي اتخذته الساعة لفريق العمل في محترفات بريغيه فحسب، بل أيضًا لخبير الصوتيات الذي تَكفّل بضبط انسجام الأجراس ورنينها. تتطلب هذه العملية دقة شديدة، ولذلك استدعى الأمر بناءَ غرفةٍ عديمة الصدى (غرفةٌ كابحة للأصداء والذبذبات) لتصحيح تردد رنين الأجراس، ثم تحديد النغمة الأكثر شبهًا بِرَنين بريغيه المميز. وبما أن كل نموذجٍ مصنوع يدويًا، فلا وجود لنموذجين متطابقين تمام التطابق. 

يتواصل الإبهار عبر غطاء الجزء الخلفي الذي يكشف عن آلية الحركة Caliber 567.2 بمكوّناتها التي زخرفت كلها يدويًا لتجسّد أفضل ما في التقاليد الحرفية لصناعة الساعات.

ليس هذا الظهورَ الأول للساعة التي تستوطن علبةً بقطر 42 ملليمترًا، فقد طرحت بريغيه هذا الطراز خلال العام الماضي بميناءٍ أزرق مطلي بالمينا وعلبة مشغولة من الذهب الأبيض زنة 18 قيراطًا. غير أن الإصدار الجديد المتمايز بميناءٍ أسود مصقول بطلاء المينا باستخدام تقنية الإشعال في الفرن وعلبةٍ مشغولة من الذهب الوردي زنة 18 قيراطًا قد يكون الطراز الأكثر استئثارًا بالانتباه. وبما أن الساعات الرسمية المقترنة بأحزمة جلدية قد عادت تستقطب ثانية اهتمام بعض هواة الجمع الحاذقين، فإن طراز Classique 7637 سيكون إضافة مناسبة إلى خزائنهم (سعرها 248,800 دولار). 

ساعة Classique 7637 من بريغيه تجمع بين الرنين والفخامة المستترة في أبهى تجلياتها

Breguet

تاريخ يتكرر

وسط الضجة العارمة التي لا تنتهي حول الساعات الرياضية القديمة التي تحمل توقيع باتيك فيليب ورولكس وأوديمار بيغيه، يبدو أن الكفّة بدأت تَرجح وإنْ على نحو طفيف لصالح الساعات الرسمية. حتى الآن، كانت كارتييه المستفيدَ الأكبر من التوجّه الجديد، ولكن الشائعات التي تدور في الآونة الأخيرة تُشير إلى أن بريغيه بصدد الدخول في المنافسة.

يُجمع الخبراء على أن الطرز التي ينبغي تَملّكها هي تلك التي صَممها صانع الساعات السويسري المرموق دانيال روث. عمل روث في دار بريغيه بين عامي 1975 و1988، وقد كان المسؤول الأبرز عن نهضتها خلال تلك الحقبة.

يرى فنسنت براسيسكو، خبير الساعات في دار سوذبيز نيويورك، أن تلك الفترة مَثّلت نقطة تحول في تاريخ الصانع، لأن روث استلهم ابتكاراتها آنذاك من ساعات الجيب القديمة التي تحمل توقيع بريغيه ونَقل جمالياتها إلى ساعات المعصم في القرن العشرين. ويشير براسيسكو أيضًا إلى حدث إحياء علامة دانيال روث تحت مظلة شركة إل في إم إتش من حيث كونه سببًا لتجدّد الاهتمام بساعات بريغيه.

ساعة Classique 7637 من بريغيه تجمع بين الرنين والفخامة المستترة في أبهى تجلياتها

Breguet

في أعلى القائمة 

لكن أيُّ الساعات التي صممها دانيال روث خلال تلك الحقبة تُعد الأشد تفردًا؟ يرى براسيسكو أن الطرز الأبرز تتمثل بالساعة ذات الرقم المرجعي 3330 والساعة ذات الرقم المرجعي 3350. وفي هذا يقول: "إن طرازRef. 3330 يشكل صيغة رائعة من ساعة الجيب التي ابتكرها أبراهام - لويس بريغيه في القرن التاسع عشر، إذ تتمايز بنوافذ متفردة لعرض اليوم والتاريخ، فضلاً عن ميناء متألق بزخارف مشغولة يدويًا، ونافذة مدهشة لعرض أطوار القمر عند مؤشر الساعة 12".

ويُضيف براسيسكو: "أما طراز Ref. 3350، فيُظهر مقدرة روثْ على استيعاب الرموز التصميمية الخاصة بدار بريغيه وتطعيمها بروح الابتكار من خلال آلية التوربيون المكشوفة أسفل الميناء. وقد كان هذا الطراز إنجازًا هندسيًا حقيقيًا وقت إصداره في الثمانينيات".

في مزاد الساعات الفاخرة الذي انعقد في شهر سبتمبر، أَدرجت دار سوذبيز نموذجًا من الساعة ذات الرقم المرجعي 3330، مشغولاً في علبة من الذهب الوردي، مقابل سعر مقبول يُراوح بين 7,000 دولار و9,000 دولار. في النهاية بيعت الساعة مقابل 20,320 دولارًا. أما في مزاد الساعات الذي نظمته دار فيليبس في نيويورك العام الماضي، فقد بيع نموذج من ساعة الرقم المرجعي 3350 الصادرة في عام 1995، يستوطن علبة من الذهب الوردي بقطر 35 ملليمترًا، مقابل 56,700 دولار، أي أكثر من ضعف قيمتها التقديرية القصوى التي حُدّدت عند 25,000 دولار.

وفي هذا يقول جوشوا غانجي، الرئيس التنفيذي لشركة European Watch Company: "عادةً ما تحظى الطرز الأولى بأكبر قدر من الاهتمام عندما يتجدد الشغف بعلامة معينة". وعلى ما هو عليه حال براسيسكو، يُفضّل غانجي الطرازين الواعديْن 3330 و3350، ولكنه يُضيف أن ساعة التقويم الدائم ذات الرقم المرجعي 3050 وساعة الكرونوغراف ذات الرقم المرجعي 3237 تلفتان أيضًا اهتمام هواة الجمع كما تشهدان زيادةً في الأسعار.

جدير بالذكر أن سعر الطراز التقليدي من ساعة 3237 قد تضاعف نحو ثلاث مرات في السنوات الخمس الماضية. في نوفمبر من عام 2018، باعت دار كريستيز نسخة مشغولة في علبة من الذهب الأصفر في مزادٍ عبر الإنترنت مقابل 7,500 دولار، أي أقل بنحو 2,500 دولار من قيمتها التقديرية القصوى المحددة سلفًا. وفي شهر أبريل من هذا العام، باعت شركة European Watch Company النسخة نفسها مقابل 22,000 دولار.

ساعة Classique 7637 من بريغيه تجمع بين الرنين والفخامة المستترة في أبهى تجلياتها

Breguet

طرز قديمة تعود إلى الواجهة 

فيما تحظى ساعات بريغيه الرسمية بالقسط الأكبر من الاهتمام حاليًا، يتطلع بعض هواة الساعات إلى الطرز العمَلية العتيقة. يقول ديفيد تشانغ، المدير التنفيذي المالي في بوسطن، إنه ينجذب نحو الطرز العسكرية الصادرة في منتصف القرن العشرين، مثل طراز Type 20 الذي ابتكرته دار بريغيه لصالح وزارة الدفاع الفرنسية في الخمسينيات.

ويُتابع: "أمتلك واحدةً كانت مملوكة لقائدٍ سابق في القوات الجوية الفرنسية. إنها تحتوي على ميناء بسيط للغاية يُطلق عليه اسم "الميناء العقيم" لخلوّه من الشعار المميز للعلامة. وجاء استخدام هذا الميناء تلبيةً لمطالب القوات الجوية الفرنسية التي كانت تبحث عن ساعة تُتيح أقصى درجة من الوضوح. تتمايز الساعة أيضًا بنقوش تُشير إلى تواريخ نهاية مدة الضمان، وآخر تاريخ منقوش على النسخة التي أمتلكها يُوافق التاريخ الذي يسبق يوم ميلادي بأسبوع. ومن هنا الصلة الخاصة التي تربطني بالساعة". 

نظرًا لأن المد يعلو بالمراكب كلها، فإن الطرز القديمة ذات الطابع الحديث تستقطب أيضًا اهتمام بعض هواة الجمع. بعض الساعات المبكرة التي أصدرتها بريغيه بعد استحواذ مجموعة سواتش عليها في عام 1999 قد بدأت تحظى أيضًا باهتمام متزايد.

في معرض حديثه عن الموضوع، يُصرّح مايك نوفو، خبير الساعات عتيقة الطراز في شركة Craft & Tailored، قائلاً: "لم يسبق لي أن اعتبرت الساعات استثمارًا مجديًا، غير أنني أرى أن ساعات بريغيه قد باتت ذات قيمة ممتازة اليوم". ويضيف: "لقد تابعت كيف ارتفع سعر أحد طرز مجموعة Tradition من نحو 7,000 دولار إلى ضعف هذا السعر في أقل من عام. وإذا التفت هواة الساعات إلى طرز بريغيه أكثر، فإني أتوقع أن تزيد المضاربات حول ساعات الدار".

ساعة Classique 7637 من بريغيه تجمع بين الرنين والفخامة المستترة في أبهى تجلياتها

Breguet


يرى براسيسكو أيضًا أن مجموعة Tradition جديرة بالمتابعة. تتصدر قائمتَه الساعةُ ذات الرقم المرجعي 7027 الشهيرة بمينائها الفرعي المزدان بزخارف غيوشيه عند مؤشر الساعة 12، والذي يتناغم مع المكونات الذهبية لآلية الحركة. في شهر مارس من هذا العام، باعت دار سوذبيز نسخة مشغولة في علبة من الذهب الأصفر، صدرت في عام 2006 وأُدرِجت بسعر يُراوح بين 7,000 دولار و9,000 دولار، مقابل 10,625 دولارًا. وبعد خمسة أشهر، أدرجت منصة Chrono24 ومنصة 1stDIBSالنسخة نفسها مقابل 15,000 دولار تقريبًا.

اجتذابُ العلامات الخاملة الذكر لاهتمام هواة الساعات يُعزى إلى أسباب مختلفة، منها قوائم الانتظار الطويلة والمضاربات المحتدمة والأسعار الفلكية لساعات العلامات الشهيرة في السوق الثانوية. وفي هذا يقول نوفو: "لقد تابع الناس كيف ارتفعت أسعار طرز الدور المرموقة إلى أعلى مستوياتها، ولذلك أصبحوا يبحثون عن طرزٍ معقولة السعر تَحمل توقيع علامات قد يكون لها وزنٌ في المستقبل القريب". وبما أن دار بريغيه كانت وراء ابتكار العديد من الرموز التصميمية المميزة للساعات الرسمية الكلاسيكية، فإنها الخيار الأمثل بالنسبة لهواة الساعات.

ويقول غانجي: "بما أن هواة الجمع يبحثون عن دورٍ جديدة يقصدونها، فليس من المفاجئ أن يتزايد الاهتمام بساعات بريغيه، خصوصًا أن مؤسس العلامة هو أبراهام - لويس بريغيه، أحد أبرز الرواد في تاريخ صناعة الساعات".