في كتاب أشبه بخزانة أسرار ملكية تنبض بصور الزمن الخالد، يعود ديفيد سيلفر، أحد أبرز جامعي ساعات رولكس عتيقة الطراز في العالم، ليكشف عن نسخة موسّعة من مؤلفه الشهير Vintage Rolex: New Edition، وذلك احتفالًا بالذكرى الثلاثين لتأسيس متجر فينتج ووتش كومباني Vintage Watch Company في رواق برلينغتون العريق وسط لندن.
كتاب Vintage Rolex لديفيد سيلفر
في 432 صفحة تتلألأ بأكثر من 2,100 صورة عالية الدقة، لا يقدّم الكتاب سجلاً موثقًا لساعات نادرة، بل دعوة مفتوحة للتنقّل بين حقبات رولكس الذهبية كما لو كنت تتجوّل في متحف أسطوري لا يفتح أبوابه سوى للنخبة.
هنا، لا مجال للأرقام ولا للبيانات التقنية الصمّاء. سيلفر، الذي يرث شغفه من والده جون سيلفر، أراد لهذا المجلد أن يكون تجربة حسّية قبل أن يكون مرجعًا، أشبه بكتاب موضة من توقيع المصمم الأمريكي الشهير توم فورد، المعروف بذائقته البصرية الجريئة وقدرته على تحويل الأزياء إلى صور أيقونية تخطف الأنظار. تمامًا كما تُغوي صفحات كتب التصميم الداخلي الفاخر أو كتب الطهو الرفيعة، تكفي الصور في هذا الكتاب لتحكي القصة وتُغري العين قبل المعصم.
يقول سيلفر في وصفه لهذه التجربة: "لا أبحث في الوظائف التقنية، ولا زبائني كذلك. ما يهمنا هو ما تقوله الساعة من خلال شكلها، ولونها، وحالتها. نحن نحب الصورة، وليس المعادلة".
رولكس عبر العقود
من الجيب إلى القمّة، ومن أعماق البحر إلى مدرجات المزاد، يسرد كتاب Vintage Rolex حكاية رولكس كما لم تُروَ من قبل. يبدأ المسار بزمن ساعات الجيب، مع أولى الابتكارات التي أبصرت النور عام 1908، ثم ينتقل إلى عام 1926 حين انطلقت ثورة الساعات المقاومة لضغط الماء مع ساعة أويستر Oyster، التي خاضت مغامرتها الشهيرة حين ارتدتها السبّاحة البريطانية مرسيدس غلايتز حول عنقها في أثناء عبورها بحر المانش، لتخرج الساعة من الأعماق وهي لا تزال تنبض بالحياة.
Vintage Watch Company
وفي كل صفحة، يمرّ القارئ بمحطات مفصلية من عالم رولكس: من الغوص الأول في عام 1953 لساعة Submariner المصممة خصوصًا لمحترفي الغوص، إلى التحليق فوق المحيطات مع ساعة "جي إم تي" GMT التي صُمّمت بالتعاون مع خطوط بان أمريكان لتلبية احتياجات الطيارين الذين يعبرون المناطق الزمنية؛ ثم تأتي ساعة Milgauss، التي طوّرت للعلماء العاملين في البيئات عالية المغناطيسية، وساعة "إكسبلورر" Explorer التي واكبت أولى بعثات الصعود إلى قمة إيفرست، قبل أن تستقرّ الرحلة أخيرًا عند ساعة "دايتونا" Daytona المرتبطة بسباقات السرعة ومعصم الأسطورة بول نيومان.
وفي صفحات تنضح بالتفرّد، يغوص الإصدار الجديد في أعماق التفاصيل التي لا تُرى إلا بعين العاشق الخبير. من بين الكنوز التي يفرد ديفيد سيلفر لها فصلًا خاصًا: ساعات Stella، تلك الإبداعات المطلية بميناء لامع فاقع، يتلألأ بألوان لا تُنسى مثل الأصفر المشمس، والأرجواني النادر، والأخضر النعناعي.
صُنعت هذه النماذج في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته خصوصًا لأسواق الشرق الأوسط، لتصبح اليوم من الإصدارات الأكثر طلبًا ونُدرة. وقد اختار سيلفر إحدى هذه القطع النادرة لتتصدّر غلاف الطبعة الجديدة: ساعة Day-Date بميناء أرجواني، موضحًا: "في ثلاثين عامًا، لم تمرّ بين يدي سوى قطعتين بهذا اللون".
أما الشراكات، فلم تغب عن السرد، إذ خصّص المؤلف فصلًا مستقلًا لتحالف رولكس مع دار تيفاني، وظهرت ساعات فريدة تحمل توقيع الدارين على ميناء واحد. إنه تحالف وصفه سيلفر بأنه "من أعظم الشراكات في تاريخ الفخامة"، ليس لندرته فحسب، بل لما يمثّله من تزاوج نادر بين علامتين أيقونيتين يتقاطع تاريخهما في لحظة لا تُقدّر بثمن.
Vintage Watch Company
من التوثيق إلى الاقتناء
ليست الصفحات كلها هنا للتأمل فحسب. ففي هذا المجلد الفاخر، تختلط جماليات التوثيق بواقعية الاقتناء. فكل ساعة تتلألأ في صفحات كتاب Vintage Rolex كانت ذات يوم حاضرة خلف واجهات المتجر الشهير في رواق برلينغتون، وقد صُوّرت بأسلوب موحّد دقيق، إذ تُضبط العقارب دائمًا على 10:10 وعقرب الثواني عند الخامسة والعشرين، في تقليد بصري حافظ عليه الفريق لأكثر من ثلاثين عامًا.
يقول سيلفر: "هذا الكتاب لم يكن ليولد لولا أرشيفنا الضخم الممتد عبر ثلاثة عقود، ومعه استثمار هائل في التصوير الفوتوغرافي يفوق مئات الآلاف من الجنيهات. إنه عمل لا يمكن تكراره تجاريًا اليوم".
أما ما يميّز هذا الإصدار عن الطبعة الأولى التي صدرت في أثناء جائحة كورونا، فليس عدد الصفحات أو الصور الإضافية. فبعض الكنوز التي تكشف عنها صفحاته ما زالت متاحة للشراء، ما يمنح القارئ فرصة نادرة للانتقال من التصفّح إلى الاقتناء.