لا يزال عالم التصميم يحتفظ ببريقه الخاص، لا سيّما حين تتصدّره أعمال نادرة لأسماء من العيار الثقيل مثل استوديوهات تيفاني، وكلود وفرنسوا زافييه لالان، وألبرتو جياكوميتي.
هذا المشهد المتألق تجلى في نيويورك يوم 12 يونيو، حين استضافت دار كريستيز مزادَين متتاليَين، انتهيا بحصيلة بلغ مجموعها 23.6 مليون دولار، في تأكيد صريح على أن قطاع التصميم لا يزال من النقاط المضيئة القليلة في سوق يتعامل مع اللحظة بكثير من التحفّظ.
نافذة من استوديوهات تيفاني تتصدّر المزاد
في مزاد كريستيز الأخير، خَطفت الأنظار تحفة زجاجية نادرة من استوديوهات تيفاني عُرفت باسم نافذة غودار التذكارية Goddard Memorial Window.
هذه النافذة الملوّنة المؤلفة من ثلاثة أقسام بارتفاع يتجاوز مترين، عُرضت بتقدير أولي راوح بين مليونين و3 ملايين دولار، لكنها تجاوزت سقف التوقعات بعد تنافس حاد بين مزايد عبر الهاتف وآخر عبر الإنترنت، ليصل سعر البيع في النهاية إلى 3.5 مليون دولار.
وتُعد هذه الصفقة ثاني أعلى سعر يُسجّل لعمل من أعمال تيفاني، بعد نافذة دانر التذكارية التي بيعت مقابل 12.5 مليون دولار في مزاد سوذبيز للفن الحديث في نوفمبر الماضي، محطّمة الرقم القياسي السابق البالغ 3.4 مليون دولار الذي حققه مصباح Pond Lily في كريستيز عام 2018.
وقد خُصّصت حصيلة بيع نافذة غودار بالكامل لدعم أنشطة كنيسة سانت لوك الوقفية، في تأكيد جديد على القيمة الثقافية والروحية التي تحملها هذه الأعمال الزجاجية النادرة.
جاء هذا الإنجاز الجديد ليُعزّز مكانة استوديوهات تيفاني في المشهد الفني العالمي، بعدما بادرت مؤسسات فنية مرموقة باقتناء أعمال زجاجية ضخمة من توقيعها.
ففي عام 2023، ضمّ متحف المتروبوليتان للفنون إلى مجموعته نافذة بانورامية بعنوان "منظر الحديقة" Garden Landscape، تتألف من ثلاث لوحات يبلغ عرضها نحو سبع أقدام وارتفاعها عشر أقدام.
وفي خطوة مماثلة، أعلن متحف كريستال بريدجز للفن الأمريكي Crystal Bridges Museum of American Art الشهر الماضي عن استحواذه على نافذة "منظر الجبل" Mountain Landscape، التي تُعد من أبرز الأعمال الزجاجية الضخمة لتيفاني.
Christie's
نجم جياكوميتي يسطع من جديد
من بين 34 قطعة تضمنها مزاد الأعمال الأمريكية الطليعية American Avant-Garde الذي نظمته دار سوذبيز، جاءت الحصة الكبرى من العائدات عبر عملين نادرين للنحّات السويسري الشهير ألبرتو جياكوميتي، وتحديدًا من سلسلة منحوتاته الشهيرة Oiseau (الطائر)، الإصدار المنحني الذي يعود إلى عام 1937.
Christie's
تُعد هذه المنحوتات تجسيدًا لأسلوب جياكوميتي في تبسيط الشكل وتكثيف الإحساس، إذ يبلغ عرض كل واحدة نحو خمس أقدام، وتتميّز بهيئتها الانسيابية المستوحاة من حركة الطير.
المنحوتة الأولى بيعت مقابل 2.954 مليون دولار شاملة العمولات، بينما حقت الثانية مبلغ 2.833 مليون دولار، متجاوزتين بذلك التقدير الأعلى البالغ 3 ملايين دولار لكل منهما. وتؤكّد هاتان الصفقتان الحضور الدائم لأعمال جياكوميتي في المزادات الرفيعة، بوصفها أعمالاً تختصر الحداثة الأوروبية في قالب نحتي نادر.
لالان بين الفانتازيا والسريالية الأنيقة
أما في مزاد التصميم، فقد تألّقت الفنانة الفرنسية كلود لالان بمنحوتة ثريا فريدة بعنوان "هيكل نباتي يزخر بالفراشات والفئران والطيور" Structure végétale aux papillons, souris et oiseaux تعود إلى عام 2000، مصنوعة من البرونز والنحاس بتكوين نباتي تنسج فيه الفراشات والطيور والفئران ضمن بنية عضوية ساحرة. اللوحة بيعت مقابل 1.865 مليون دولار شاملة الرسوم، متجاوزة التقدير الأعلى البالغ 1.8 مليون دولار.
Christie's
هذا السعر، وإن بدا متحفظًا مقارنة بسوابق قريبة، يبقى ضمن نطاق الطلب المتزايد على أعمال لالان، إذ بيعت نماذج مشابهة من هذه السلسلة بين 2.4 مليون و4.4 مليون دولار في مزادات أقيمت في باريس خلال عامي 2021 و2022.
ويؤكد هذا الزخم استمرار تصاعد الاهتمام بأعمال كلود وزوجها الفنان فرانسوا زافييه لالان، لا سيما بين أوساط جامعي القطع الجدد ممن يجمعهم الانجذاب إلى الفانتازيا الشكلية والأسلوب السريالي الأنيق.
وبعد أن بيع عمل الكركدن الكبير الثاني Grand Rhinocéros II للفنان فرانسوا زافييه لالان في مزاد سوذبيز مقابل 16.4 مليون دولار، متجاوزًا تقديره الأعلى بخمسة أضعاف، اتّجهت الأنظار في مزادات كريستيز إلى منحوتاته الأصغر حجمًا، التي لاقت بدورها منافسة لافتة.
Christie's
فقد شهد مزاد التصميم بيع منحوتة الكركدن الأزرق Rhinocéros bleu التي تعود إلى عام 1981 مقابل 327,600 دولار، بعد أن كانت مقدّرة بما لا يزيد على 70 ألف دولار.
أما العمل السريالي Le Métaphore - Canard-Bateau (الاستعارة - البطة القارب) الذي أنجزه لالان عام 2002 ويجسّد شكل بطة مركبة كزورق، فقد تخطّى تقديره الأعلى البالغ 120 ألف دولار بأكثر من أربعة أضعاف، ليُباع في النهاية مقابل 667,800 دولار.
هذا الحراك يعكس استمرار صعود نجم لالان في سوق الفن التصميمي، وتزايد شهية الجامعين لاقتناص أعماله الغريبة الآسرة التي تُعيد تعريف العلاقة بين الحيوان والوظيفة في قالب نحتي مفاهيمي.
