على مدى أكثر من ستة عقود، شكّل الزوجان أرنولد وجوان سالتزمان رمزًا للتلاقي بين الذوق الرفيع والعمل الإنساني، فجمعا بين النجاح في عالم الأعمال والخدمة العامة، وبين شغفٍ عميق بالفنون الحديثة، ما دفعهما إلى بناء واحدة من مجموعات الفن الحديث الأكثر اكتمالاً وتنوعًا في القرن العشرين. وفي 17 نوفمبر المقبل، تُطل دار كريستيز من قلب نيويورك لتكشف عن هذه الكنوز ضمن أسبوع المزادات الرئيس، إذ يُنتظر أن تتجاوز القيمة الإجمالية للمجموعة 70 مليون دولار أمريكي، في احتفاءٍ بالفن الحديث بأسمى تجلياته.

من خلال أعمال روّاد الفن..

مثل بابلو بيكاسو، وفرنان ليجيه، وإدفارد مونك، وهنري ماتيس، وهنري مور، تُقدّم هذه المجموعة بانوراما متكاملة لمسار التحول الجمالي الذي أعاد تشكيل ملامح الفن الحديث بين مطلع ومنتصف القرن الماضي، إذ تتنوع الأعمال بين التصوير التشكيلي والتجريد الجريء، في توليفة تعكس نبض الحداثة وروحها العابرة للحدود.

ويمتد هذا التنوع ليشمل فنانين من سبع عشرة جنسية مختلفة، ما يمنح المجموعة طابعًا عالميًا فريدًا، ويجعلها من المجموعات الأكثر اكتمالاً في استكشاف الحداثة الأوروبية. وقد سبق للزوجين سالتزمان أن قدّما جزءًا من هذه المجموعة، وتحديدًا الأعمال التعبيرية الألمانية، إلى المعرض الوطني في واشنطن، حيث تُعرض اليوم في جناح خاص يحمل اسميهما، تخليدًا لإرثهما الثقافي والإنساني.

أعمال لا تُرى كثيرًا

تفتتح مجموعة أرنولد وجوان سالتزمان بمختارات نادرة تكشف عن عمق التجريب الفني في بدايات القرن العشرين، وتتصدرها لوحة نابضة بالحيوية للفنان روبير ديلوني يصوّر فيها صديقه الفنان جان ميتزينغر بأسلوب تقسيمي فريد.

 هذه اللوحة لم تكن مجرد عمل فني في منزل الزوجين، بل كانت جزءًا من حوار بصري متكامل، إذ عُرضت إلى جانب لوحة رسمها ميتزينغر لديلوني بعد عامين، في مشهد يجمع بين اللون والهندسة، ويجسّد التفاعل الإبداعي بين اثنين من أبرز رواد الحداثة.

أعمال لا تُرى كثيرًا

Christie's

كما يحضر التعبير الألماني بقوة من خلال لوحة جبلية ذات ألوان مشبعة للفنان كارل شميت-روتلُف، أحد مؤسسي حركة الجسر، التي شكّلت منعطفًا حاسمًا في تاريخ الفن الحديث. إلى جانبها، تبرز لوحة استثنائية للفنان فيلهلم مورغنر الذي رحل شابًا خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا قليل الظهور في السوق المعاصر، إذ تُعد أعماله من بين الأشد ندرة في مزادات الفن الحديث.

أعمال لا تُرى كثيرًا

Christie's

أما التجريد الصافي، فيتجلّى في أعمال الفنان التشيكي فرانتيسيك كوبكا، الذي يُعد من أوائل من تخلّوا عن التصوير لصالح التجريد الكامل. وتضم المجموعة ثلاث لوحات فنية تمثل ذروة بحثه الفلسفي في العلاقة بين الشكل والفكر، من بينها لوحة Une Pensée (فكرة)، ولوحة ورقية دقيقة بعنوان Autour d’un point (حول نقطة)، تُجسّد مسعاه نحو تحرير الفن من المرجع البصري والانطلاق نحو التعبير المطلق.

أعمال لا تُرى كثيرًا

Christie's

ويكتمل المشهد الفني بمنحوتة هنري مور الشهيرة Reclining Figure: Elbow (شكل مستلقِ: الكوع)، التي تُعد من أعماله الكبيرة الأكثر انسجامًا بين الكتلة والحركة. في هذا العمل، تتلاقى المادية الثقيلة مع الحس العضوي، لتنتج تكوينًا يفيض بالانسيابية والحياة، ويُجسّد فلسفة مور في تحويل الصلابة إلى مرونة بصرية آسرة.

لوحات تتصدر المشهد

مع التقدّم في العرض، ترتفع النغمة الفنية إلى قمّتها مع  لوحة هنري ماتيس التي تحمل اسم Femme au chapeau fleuri (امرأة ترتدي قبعة مزهرة)، والتي تُجسّد عارضته المفضلة هنرييت داركارير في مشهد يفيض بالحيوية. تستحضر اللوحة أجواء مدينة نيس الفرنسية، وتستدعي ضوء الريفييرا المتوسطية في تناغم زخرفي متقن، فتتداخل الأقمشة والنقوش والخطوط في فضاء بصري غني يعكس براعة ماتيس في تحويل اللحظة العابرة إلى تجربة حسية متكاملة.

لوحات تتصدر المشهد

Christie's

أما ذروة المجموعة، فتتجسد في عمل فرنان ليجيه، لوحة Composition (تركيب)، التي أُنجزت عام 1914 ضمن سلسلة تباين الأشكال، وهي السلسلة التي أحدثت تحولاً جذريًا في مفاهيم الفن الحديث، وأعادت صياغة العلاقة بين الشكل والحركة والضوء. ويُعد هذا العمل من الشواهد الأبرز على الطموح البصري الذي ميّز مطلع القرن العشرين.

لوحات تتصدر المشهد

Christie's

كان هذا العمل في الأصل ضمن مقتنيات الباحث الفني الشهير دوغلاس كوبر قبل أن يقتنيه أرنولد سالتزمان في مزاد عام 1980، ليصبح حجر الزاوية في مجموعته، ومحورها البصري والفكري، وأحد أبرز التعبيرات عن الرؤية الطموحة التي قادت مسيرته في جمع الفن الحديث.