لا تُعرض الكنوز كلها خلف واجهات العرض. فالكثير منها يبقى لسنوات حبيس المخازن بعيدًا عن الأنظار. هذا الواقع تغيّر مع افتتاح مستودع V&A East Storehouse، المرفق الجديد التابع لمتحف فيكتوريا وآلبرت Victoria and Albert Museum في لندن. 

يقع المبنى في الحديقة الأولمبية بشرق العاصمة البريطانية، ويمتد على مساحة تبلغ 16 ألف متر مربع، محتضنًا أكثر من 250 ألف قطعة فنية، إلى جانب 350 ألف كتاب وألف أرشيف..

تُعرض على رفوف مفتوحة ضمن تصميم يذكّر بجولة في متجر واسع؛ لكن كل ممر فيه يكشف عن تحفة استثنائية تسرد فصولًا من تاريخ الفنون والتصميم على امتداد خمسة آلاف عام.

ويُجسّد المستودع نهجًا غير مسبوق في طريقة عرض المجموعات الفنية، إذ أدرك القائمون على المتاحف أن الغالبية العظمى من مقتنياتهم تبقى محجوبة في المخازن. 

وجاء ردّ متحف فيكتوريا وآلبرت، باعتماد ما سمّاه مسؤولو المؤسسة "سياسة الشفافية الكاملة"، عبر إتاحة هذه الكنوز للجمهور ضمن تجربة تفاعلية تكسر الحواجز التقليدية بين الزائر والمجموعة.

وفي هذا السياق، توضّح جورجيا هاسيلدين، وهي قيّمة أولى في المتحف ومشرفة على سياسة الوصول إلى المجموعات، قائلة: 

"نحن نؤمن بأن هذه مجموعة وطنية، ويجب أن تكون متاحة للجميع. من حق أي شخص، سواء كان باحثًا أكاديميًا، أو زائرًا من المجتمع المحلي، أو سائحًا من أي مكان في العالم، أن يتمكّن من الوصول إليها بحرّية ومساواة".

من بيكاسو إلى بالنسياغا.. لندن تكشف عن كنوزها المخفية داخل مستودع  V&A East الجديد

AFP

من قطع بيكاسو إلى سقف إسباني مذهب

جاء تصميم مبنى مستودع V&A East بتوقيع مكتب ديلر سكوفيديو آند رينفرو Diller Scofidio + Renfro المعماري، صاحب مشروع هاي لاين High Line الشهير في مدينة نيويورك، الذي حوّل سكة قطار مهجورة إلى متنزه حضري معلق بات من أبرز معالم التصميم العمراني الحديث. 

وحرص المكتب في تصميمه لمستودع المتحف على ابتكار مساحة تجمع بين الوظيفة العملية والعرض البصري، مع توفير بيئة تتيح الكشف عن قطع فنية ضخمة طالما استعصى عرضها بسبب حجمها أو حساسية موادها.

من بيكاسو إلى بالنسياغا.. لندن تكشف عن كنوزها المخفية داخل مستودع  V&A East الجديدمن بيكاسو إلى بالنسياغا.. لندن تكشف عن كنوزها المخفية داخل مستودع  V&A East الجديد

AFP

في قلب المبنى، تقع صالة عرض ثلاثية الارتفاع تُعد من أكبر مساحات العرض المفتوحة في لندن، وتُعرض فيها تحف نادرة لم تُشاهد علنًا من قبل، منها رواق معماري من الحقبة المغولية في الهند يعود إلى القرن السابع عشر، بتيجانه الحجرية الدقيقة ونقوشه الهندسية الفريدة، ومكتب كامل بتصميم حداثي من الثلاثينيات أبدعه المعماري الأمريكي فرانك لويد رايت، يعكس رؤيته الرائدة في تكامل الفضاء والوظيفة.

أما المشهد الأبرز في الصالة، فهو ستارة مسرحية ضخمة صمّمها الفنان بابلو بيكاسو عام 1924 لأحد عروض الباليه، ويبلغ ارتفاعها نحو 10 أمتار، تتدلى كقطعة فنية شاهقة تجسّد طاقة التعبير المسرحي في تلك الحقبة.

وتتناثر في أرجاء الصالة معروضات معمارية ضخمة أخرى، مثل جزء من الواجهة الإسمنتية لمجمع روبن هود غاردنز Robin Hood Gardens، أحد أبرز مشاريع الإسكان الحداثي في لندن والذي جرى هدمه أخيرًا، وسقف مذهّب فاخر من قصر توريخوس Torrijos Palace في إسبانيا، يعود إلى القرن الخامس عشر، ويُعرض بوصفه شاهدًا ماديًا على ترف العمارة الإسبانية في العصر القوطي المتأخر.

من بيكاسو إلى بالنسياغا.. لندن تكشف عن كنوزها المخفية داخل مستودع  V&A East الجديدمن بيكاسو إلى بالنسياغا.. لندن تكشف عن كنوزها المخفية داخل مستودع  V&A East الجديد

AFP

اكتشاف فني تفاعلي.. حسب الطلب

ما يميز مستودع V&A Eastهو خدمة "اطلب قطعة" Order an Object التي تتيح للزائر حجز موعد فردي مع أي قطعة من المجموعة، ضمن أجواء بحثية مريحة وأسلوب تفاعلي نادر في المتاحف التقليدية

ويمكن للزوار اختيار ما يشاؤون من آلاف القطع، سواء كانت كنزة من الموهير صمّمتها المصممة البريطانية فيفيان ويستوود أو منحوتة "نيتسوكي" يابانية دقيقة الحجم، أو غيرها من القطع المتنوعة في الشكل والتاريخ والخامة. 

وفي معظم الحالات، يُسمح للزوار بلمس القطعة مباشرة، ما لم تكن مصنّفة ضمن المواد الخطرة أو الحساسة، مثل ورق الحائط الفيكتوري المحتوي على الزرنيخ.

وتصدّر الطلبات فستان من الحرير الوردي من تصميم بالنسياغا يعود لعام 1954، وسترة عسكرية برّاقة من تصميم بوب ماكي ارتداها المغنّي الشهير إلتون جون خلال جولته العالمية عام 1981، إلى جانب كيمونو يابانيّين تقليديين جرى عرضهما بعناية في إحدى غرف الدراسة المخصصة.

وتقول كيت بارسونز، مديرة العناية بالمقتنيات وإتاحتها، إن الإقبال منذ افتتاح المبنى نهاية مايو كان "لافتًا بمختلف المقاييس"، موضحة أن الزوار تنوعوا بين طلاب فنون، وأشخاص يستلهمون تصاميم أعراسهم، وآخرين يقيسون عدد خيوط فستان من عام 1850 لأغراض بحثية. وأضافت: "في كثير من الأحيان، تنشأ أحاديث بين زوار لا يعرفون بعضهم البعض لمجرد أنهم يتأملون قطعًا مختلفة في المكان نفسه، وهذه الروح هي ما كنا نأمله".