منذ إنجازها عام 1669، بقيت لوحة Girl with the Red Hat (الفتاة ذات القبعة الحمراء) للفنان الهولندي يوهانس فيرمير من أعماله الأكثر إثارة للغموض والجدل، إذ تبدو كأنها تنتمي لعالم موازٍ لأعماله الأخرى إذ تختلف عنها في الحجم والتقنية واختيار الألوان، وتشي بنزعة تجريبية مبكرة.
ومع ذلك، لم يكن أحد يتوقع أن هذا العمل الصغير سيخفي تحت سطحه سرًّا قد يغيّر قراءة بدايات فيرمير الفنية، ويمنح الباحثين نافذة جديدة على مسيرته الأولى.
هذا السر تكشّف بعد مشروع بحثي أطلقه المتحف الوطني للفنون في واشنطن إبان فترة الجائحة، عندما خضعت أربع لوحات منسوبة إلى فيرمير لتحليلات تصوير متقدمة اخترقت طبقات الطلاء، إلى جانب فحص مجهري دقيق لسطح الأعمال.
وخلال هذا المشروع غير المسبوق، أزاحت التحاليل العلمية الستار عن مفاجأة مذهلة: لوحة الفتاة ذات القبعة الحمراء تخفي تحت سطحها لوحة لرجل مجهول يرتدي قبعة عريضة وياقة مزينة برباط شرابة، وهي سمات يمكن تأريخها بين عامي 1650 و1655، ما يجعلها مرشحة لأن تكون من أوائل أعمال فيرمير، وربما تسبق حتى لوحته الشهيرة Christ in the House of Mary and Martha (المسيح في بيت مريم ومارتا) المؤرَّخة بين 1654 و1655.
في البداية، ظن الباحثون أن الطبقة التحتية في اللوحة تعود إلى فنان مجهول، نظرًا لضربات الفرشاة غير المعتادة التي ظهرت في التكوين.
لكن مع تعمّق الدراسات، تبيّن أن فيرمير نفسه كان في بداياته يعتمد أسلوبًا أوليًا أكثر تحررًا وسرعة في تنفيذ الطبقات التحتية، قبل أن يعود لاحقًا لتعديل العمل وصقله، وهي تقنية تُدرّس اليوم في مدارس الفنون وتُعد ممارسة شائعة بين كثير من الفنانين.
هذا التحوّل في الفهم يفتح أفقًا جديدًا كليًا: إذا تأكد نسب اللوحة إلى فيرمير، فسنكون أمام أول بورتريه ذكوري حقيقي معروف له حتى الآن. فعلى الرغم من أن كثيرين قد ينظرون إلى لوحتي The Astronomer (عالم الفلك) و The Geographer (الجغرافي) على أنهما رسمان ذكوريان من فئة البورتريه لفيرمير، فإنهما في الحقيقة لوحتان موضوعيتان تركّزان على نشاط الشخصية داخل مشهد داخلي وليس على رسم ملامحها، ما يخرجهما من إطار البورتريه الصافي.
وفي موازاة هذا الاحتمال، أعادت النتائج أيضًا إلى الواجهة اسم الفنان الهولندي كاريل فابريشيوس، أحد أبناء مدينة دلفت ومن معاصري فيرمير، والذي امتلك بعد وفاته عام 1676 بورتريهين ذكوريين من أعماله وفقًا لسجلات الجرد.
هذا الرابط يفتح احتمالاً مثيرًا آخر: إذا ثبت أن فابريتيوس هو صاحب الصورة الأصلية المدفونة تحت اللوحة، فسيُعد ذلك إضافة نوعية إلى إرثه الفني النادر، ولا سيما أن عدد أعماله المؤكَّدة لا يتجاوز اثني عشر عملاً فقط، ما يمنح الاكتشاف بُعدًا أوسع يتجاوز فيرمير نفسه إلى تاريخ الفن الهولندي بشكل كامل.