بيعت لوحة زيتية أُعيد اكتشافها للفنان البريطاني جوزيف مالورد ويليام تيرنر،  المعروف في عصره باسم ويليام تيرنر، مقابل مبلغ 2.6 مليون دولار خلال مزاد لدار سوذبيز المسائي للفن القديم ولوحات القرن التاسع عشر في لندن. 
وشهدت اللوحة منافسة شرسة بين أربعة مزايدين، قبل أن يحظى بها جامع خاص في المملكة المتحدة، ليتجاوز السعر النهائي التقديرات العليا بستة أضعاف، إذ لم تكن التقديرات الأولية تتجاوز 400 ألف دولار، بحسب ما أفادت به دار المزادات.
العمل المعنون "العاصفة المتصاعدة الآبار الساخنة، من صخرة سانت فنسنت في بريستول" The Rising Squall, Hot Wells, from St Vincent’s Rock, Bristol، يُعدّ من أقدم اللوحات الزيتية لتيرنر، بل هو أول عمل زيتي له يُعرض علنًا للجمهور. 

وقد أُعيد اكتشاف اللوحة أخيرًا بعد أن ظلت غارقة في طيّ النسيان لأكثر من 150 عامًا، وبيعت العام الماضي في مزاد لدار دريويتس Dreweatts مقابل 506 دولارات فقط بسبب نسبها الخاطئ لفنان غير معروف يُقال إنه "من أتباع يوليوس قيصر إيبيتسون"، وهو رسام بريطاني من القرن الثامن عشر. 

والمفاجأة الكبرى جاءت عندما نظف المالك الجديد اللوحة، ليظهر توقيع تيرنر واضحًا على سطحها، في لحظة يُحتمل أن تكون من أروع المفاجآت في حياته.

رُسمت اللوحة عام 1792، عندما كان تيرنر في السابعة عشرة من عمره وطالبًا في الأكاديمية الملكية للفنون بلندن. وكان قد عرض أولى لوحاته بالألوان المائية في المعرض الصيفي للأكاديمية عام 1790، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر. لكن هذه اللوحة كانت أولى لوحاته الزيتية المعروضة في ربيع 1793، أي قبل أيام فقط من عيد ميلاده الثامن عشر.

المشهد في اللوحة يصوّر نبعًا حارًا ومنتجعًا صحيًا يُعرف باسم"هوت ويلز" في بريستول، ويعكس تفضيل تيرنر للمشاهد الطبيعية القاسية والدرامية، التي أصبحت سمة مميزة في أعماله. 

وقد ارتبط العمل برسم تحضيري نفذه الفنان ميدانيًا في أحد أقدم دفاتره التخطيطية، وهو الرسم نفسه الذي شكّل لاحقًا أساسًا للوحة بالألوان المائية محفوظة في مجموعة متحف تيت Tate البريطاني.

عُرضت هذه اللوحة آخر مرة  في معرض بتسمانيا عام 1858. وبعد ذلك، اختفت تمامًا داخل مجموعة خاصة لأكثر من 150 عامًا. وكان العلماء والمؤرخون يعرفون بوجودها من خلال إشارات مكتوبة وردت في بعض المراثي التي خُصصت لتيرنر بعد وفاته، لكنهم ظلّوا يعتقدون لفترة طويلة أنها لوحة مائية. ولهذا السبب، كان يُعتقد سابقًا أن أول لوحة زيتية عرضها تيرنر علنًا هي صيادون في البحر Fisherman at Sea، والتي شارك بها في معرض الأكاديمية الملكية عام 1796.

The Rising Squall, Hot Wells, from St Vincent’s Rock, Bristol.. لوحة للفنان جوزيف تيرنر تعود بعد 150 عامًا

Sotheby's

اقتنى النسخة الزيتية الأصلية من اللوحة القس روبرت نيكسون، ويُرجّح أنها كانت بطلب مباشر منه..

وكان نيكسون أحد أوائل داعمي تيرنر وأحد أصدقائه المقربين، وقد أدى دورًا مهمًا في تشجيعه خلال بداياته الأولى في الرسم الزيتي.

هذا الاكتشاف الأخير لا يصحّح السجل التاريخي فحسب، بل يوسّع أيضًا فهم الباحثين لطموح تيرنر المبكر، ويكشف عن قدراته الاستثنائية وإنجازاته اللافتة في الرسم الزيتي وهو لا يزال يافعًا، بحسب موقع أرتنيت.

يقول جوليان غاسكوين، المتخصص في سوذبيز، في تصريح لصحيفة الغارديان: "هذا الاكتشاف يغيّر كثيرًا مما كنا نعرفه أو نظن أننا نعرفه عن أعمال تيرنر المبكرة، وعن فهمنا لتطوّر أسلوبه وتقنياته، حين كان لا يزال في طور استكشاف الرسم الزيتي، لكنه استثمر خبرته التي اكتسبها من الرسم المائي للتعامل مع هذا الوسيط الجديد".

منذ اكتشاف توقيع تيرنر على سطح اللوحة، خضعت لتحليلات دقيقة من قِبل أبرز الباحثين المتخصصين، الذين أكدوا صحة نسبتها إلى الفنان، ما عزز مكانتها بوصفها إحدى أقدم وأهم أعماله الزيتية المعروفة حتى اليوم.

وفقًا لقاعدة بيانات الأسعار الخاصة بـموقع أرتنيت، فإن الرقم القياسي لأغلى لوحة بيعت لتيرنر كان في مزاد لدار سوذبيز بلندن عام 2014، عندما بيعت لوحته الشهيرة روما من جبل أفنتين Rome, from Mount Aventine لعام 1835 مقابل 47.4 مليون دولار.

من بين المنافسين الذين سعوا لاقتناء اللوحة في مزاد سوذبيز كان متحف ومعرض بريستول للفنون، والذي أطلق حملة تمويل جماعي استمرت خمسة أيام، وصفها بأنها إنجاز مذهل، جمع خلالها أكثر من 137 ألف دولار من نحو 1450 متبرعًا، ولكن رغم هذه الجهود، لم ينجح المتحف في الفوز باللوحة.

قالت كيت نيونهام، كبيرة أمناء متحف ومعرض بريستول للفنون، في تصريح لـهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "لم تكن الليلة المناسبة لنا ببساطة، لكن استجابة الجمهور لدعوة المتحف كانت استثنائية بمختلف المقاييس، وسيُعاد الآن المبلغ كاملًا للمتبرعين، احترامًا لثقتهم ودعمهم".

ورغم عدم حصوله علي اللوحة، إلا أن المتحف أعلن عن خطط للاحتفاء بكرم الجمهور من خلال تنظيم معرض نادر في وقت لاحق من هذا العام يضم مجموعة من لوحات تيرنر المائية، وذلك تكريمًا لدعمهم. وسيشمل المعرض أربع لوحات فنية لم تُعرض منذ أكثر من عشر سنوات بسبب هشاشتها وحساسيتها للضوء.

تميّز تيرنر بأسلوب تعبيري ومزاجي فريد، إذ دفع حدود فن المشاهد الطبيعية إلى آفاق غير مسبوقة من خلال استخدامه الثوري للضوء واللون، وضربات فرشاته الجريئة. وكان له تأثير عميق على أجيال من الفنانين، ويُعد اليوم واحدًا من أعظم الفنانين في تاريخ بريطانيا.

ومنذ عام 2020، باتت صورته تزيّن الورقة النقدية من فئة 20 جنيهًا إسترلينيًا الصادرة عن بنك إنجلترا. هذا العام، يُحتفى بذكرى مرور 250 عامًا على ميلاده في 1775، من خلال سلسلة من المعارض داخل المملكة المتحدة وخارجها، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، تأكيدًا على مكانته الراسخة في تاريخ الفن العالمي.