رغم التباطؤ الواضح في الطلب على السلع الفاخرة في أسواق رئيسة مثل الولايات المتحدة والصين، إلا أن سنغافورة تمضي عكس التيار، مثبتةً مكانتها بوصفها قوة صاعدة في عالم الرفاهية. 

فبحسب ما نقلته بلومبرغ عن شركة الأبحاث العالمية Euromonitor International، من المتوقع أن ترتفع مبيعات السلع الفاخرة في سنغافورة بنسبة 7% هذا العام، لتصل إلى 10.9 مليار دولار أمريكي، مقارنة بعام 2024.

ارتفاع المبيعات لا يعني انتعاش السوق المحلي فحسب، بل يشير أيضًا إلى تفوّق سنغافورة على مراكز التسوق الإقليمية الكبرى مثل اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، ما يعزز مكانتها وجهةً بارزة في جنوب شرق آسيا. 

وقد سجّلت سنغافورة في عام 2024 نموًا سنويًا فاق ما هو عليه الحال في معظم الأسواق الآسيوية الأخرى التي ترصدها شركة التحليلات، باستثناء اليابان. ومن المتوقع أن تصل سنغافورة في عام 2026 إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، مسجّلة نحو 11.4 مليار دولار.

يُذكر أن هذا الازدهار في مبيعات السلع الفاخرة تزامن مع انتعاش سوق العقارات التجارية. فوفقًا لبيانات شركة سافيلز Savills العقارية، احتلت سنغافورة في عام 2024 المرتبة الثالثة من بين 32 مدينة في آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء الصين، من حيث عدد افتتاحات المتاجر الفاخرة الجديدة.

قال جوناثان سيبوني، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات Luxurynsight في تصريح لبلومبرغ: "أثبتت سنغافورة أنها مكان شديد الاستقرار للأثرياء، ما أسهم في بناء قاعدة محلية قوية لسوق السلع الفاخرة"، مضيفًا: "سنغافورة هي واحة وسط الصحراء".

ومن أبرز تلك الواحات، المجمع الفاخر The Shoppes at Marina Bay Sands، حيث افتتحت العلامة الإيطالية مارني Marni أول متجر لها هناك في أغسطس 2024. ويقدّم هذا المجمع تجربة تسوّق فاخرة، تبدأ بعربات خاصة لنقل كبار الزبائن، وتمتد إلى جلسات تنسيق شخصية. وقريبًا ستُتاح فرص الاطلاع الحصري على إصدارات فاخرة لم تُطرح بعد في الأسواق.

تُعد سنغافورة أيضًا موطنًا لأكثر من 240 ألف مليونير، وفقًا لتقرير صادر عن شركة Henley & Partners لعام 2024. وقد شهدت الدولة خلال العقد الماضي زيادة بنسبة 64% في عدد أصحاب الثروات، بفضل اقتصادها المنفتح، وسياسات الهجرة الليبرالية، وتسهيلات ضريبية. ونتيجة لذلك، ارتفع متوسط دخل الأسر من العمل للعام الخامس على التوالي، بحسب تقرير صادر عن إدارة الإحصاءات السنغافورية.

هذا التمازج بين الثروة والاستقرار والاستراتيجية جعل بعض العلامات التجارية تستخدم السوق السنغافوري ميدان اختبار لقياس مدى اهتمام المستهلكين بالسلع الفاخرة. قال أنخيليتو بيريز تان الابن، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة RTG آسيا، في تصريح لبلومبرغ: "هذه ليست مجرد حيل دعائية، بل هي عمليات إطلاق ناعمة استراتيجية تهدف إلى اختبار كيفية تفاعل المستهلكين عاطفيًا مع العلامة التجارية".

ومع استمرار العلامات التجارية العالمية في استخدام سنغافورة كبوصلة لاستشراف مستقبل السوق الآسيوي، تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تطور هذا المشهد في السنوات المقبلة. لكن إن كانت المؤشرات الحالية دليلاً، فإن سنغافورة لا تسير خلف الاتجاه العالمي، بل ترسمه.