شهد متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك لحظة فارقة في تاريخه، مع إعادة افتتاح جناح مايكل سي. روكفلر بحلته الجديدة، بعد عملية تجديد شاملة استغرقت أربع سنوات، وكلفت نحو 70 مليون دولار.

الجناح المُعاد تصميمه يُشكّل اليوم تحفة معمارية وثقافية في قلب المتحف، وهو مخصص لعرض كنوز فنية فريدة من ثلاث قارات: إفريقيا، وأوقيانوسيا، وأمريكا القديمة.امتد حفل الافتتاح إلى ساحة المتحف، وسط أجواء احتفالية، تخللتها عروض موسيقية حيّة لفرقة Mariachi Real de México الحائزة جائزة غرامي، وفرقة MAX Percussion القادمة من السنغال، في مزيج صوتي يعكس الغنى الثقافي للمجموعات المعروضة.

يمتد الجناح الجديد على مساحة 40 ألف قدم مربعة، ويضم اليوم 1726 عملاً فنيًا معروضًا، منها مقتنيات نادرة وجديدة تُعرض لأول مرة. 

وقد تولت عملية التجديد شركة WHY Architecture بقيادة المعماري التايلاندي الأمريكي كولابات يانتراساس، بالتعاون مع خبراء الترميم من Beyer Blinder Belle Architects وفريق التصميم الداخلي في المتحف.

متحف متروبوليتان يعيد افتتاح جناح روكفلر بعد تجديد بقيمة 70 مليون دولار

The Metropolitan Museum of Art

الجناح يتميز بتصميمه المعماري المنفتح، إذ جرى الاستغناء عن التقسيمات الجغرافية التي اتسم بها التصميم الأصلي، لصالح فضاءات متداخلة أكثر انسيابية. ينتقل الزائر من المعارض الرومانية واليونانية مباشرة إلى قاعات الفن الإفريقي، والتي تتوجها أسقف مقوسة بيضاء مضلعة، تعكس الإحساس بالانفتاح.

وفي خطوة هندسية مبتكرة، استُبدلت بالواجهة الزجاجية الممتدة على الجدار الجنوبي الغربي المطل على سنترال بارك، ألواح مخصصة لتقليل نفاذ الضوء، بما يضمن الحفاظ على القطع الأثرية المعروضة، وخصوصًا المنسوجات والفنون الحساسة للضوء.

متحف متروبوليتان يعيد افتتاح جناح روكفلر بعد تجديد بقيمة 70 مليون دولار

The Metropolitan Museum of Art

الفنون الأوقيانية، التي تتطلب بيئة عرض منخفضة الإضاءة، جرى نقلها إلى قلب الجناح، ضمن سلسلة من المعارض المرتبة قطريًا بعناية. أما القطع الحجرية والمعدنية والخزفية من الأمريكتين القديمة، فقد جرى تقديمها الآن في مواجهة ضوء النهار الطبيعي، في تناغم دقيق بين البيئة المكانية وسياق العرض التاريخي.

وقالت أليسا لاغاما،  المنسقة المسؤولة عن الجناح، لصحيفة ذا بوست: "لدينا هنا أرقى الفنون من هذه المناطق الثلاث في العالم: إفريقيا جنوب الصحراء، وأوقيانوسيا، وأمريكا القديمة، داخل مؤسسة أمريكية رائدة".

يحتضن المتحف أعمالاً تنتمي إلى ما أكثر من 170 ثقافة مختلفة، فيما يُعد جناح روكفلر وحده موطنًا لأكثر من 400 قطعة فنية جمعها مايكل روكفلر شخصيًا خلال رحلاته الاستكشافية. 

متحف متروبوليتان يعيد افتتاح جناح روكفلر بعد تجديد بقيمة 70 مليون دولار

The Metropolitan Museum of Art

وتعرض القاعة الإفريقية أعمالاً تغطي حركات فنية متعددة منذ القرن الثاني عشر. أما قاعات الأمريكتين القديمة، فتسلّط الضوء على التراث الفني للشعوب الأصلية من أمريكا الشمالية حتى الجنوبية، قبل عام 1600 ميلادي. وفي الجناح المخصص لأوقيانوسيا، نجد أعمالاً من المجتمعات الأصلية في غينيا الجديدة، والمحيط الهادئ، وأستراليا، وجنوب شرق آسيا.

أهمية هذا الجناح تتعدى المعروضات، فهو جزء من مراجعة أوسع للمتاحف حول العالم لمصادر مقتنياتها. وقد أكدت لاغاما أن مقتنيات المتروبوليتان تشكّلت بدرجة كبيرة بعد مرحلة استقلال العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ما يميزها عن مجموعات أخرى نشأت خلال الحقبة الاستعمارية، ويمنحها بعدًا خُلقيًا مهمًا في المشهد الفني العالمي.

من أبرز الإضافات أيضًا مجموعة ضخمة من الصور الفوتوغرافية تبرّع بها جامع الأعمال الفنية الشهير آرثر والتر، وهي تمثّل اليوم ثلث المعروضات، في خطوة تُعزز من حضور الفنون المعاصرة وتنوّع الأصوات السردية في الجناح.

افتُتح هذا الجناح للمرة الأولى عام 1982 بعد تبرّع نائب الرئيس الأمريكي الأسبق نيلسون روكفلر بمجموعته الفنية.

هذا الإنجاز المعماري والفني ليس النهاية، بل بداية لمسيرة توسّع أكبر يشهدها المتحف، إذ يجري العمل حاليًا على مشروع تطوير جناح تانغ، من تصميم المعمارية المكسيكية اللامعة فريدا إسكوبيدو، ومن المُتوقّع افتتاحه في عام 2030.