تتهيأ دار سوذبيز نيويورك لاستقبال حدث فني قد يُعيد تعريف السريالية في عيون العالم؛ مزاد يَعِد بكشف كنوز نادرة وفتح أبواب جديدة على تاريخ الحركة التي مزجت الحلم بالواقع، في نوفمبر 2025 في مقر سوذبيز الجديد في ماديسون أفينيو، نيويورك.
المجموعة التي تحمل اسم Exquisite Corpus (الجسد البديع) ستقف في صدارة الحدث، حاملةً معها أكثر من ثمانين عملاً بين لوحات ورسومات ومنحوتات، جميعها تشكّل شهادة حيّة على عبقرية الجيل الذي حوّل الحلم إلى مدرسة بصرية خالدة.

ولأن السريالية لا تزدهر إلا بتواقيع رموزها الكبار، تضم المجموعة أعمالاً لسلفادور دالي، ورينيه ماغريت، وماكس إرنست، في توليفة تفيض بالخيال والجرأة. 

غير أن المفاجأة الأبهى تكمن في لوحة استثنائية للفنانة المكسيكية فريدا كالو، ويُقدّر أن تصل قيمتها إلى نحو 60 مليون دولار أمريكي، ما يفتح الباب أمام تسجيل رقم قياسي جديد يُخلّد حضورها ضمن تاريخ المزادات الفنية.
أعمال بارزة في مزاد سوذبيز

من بين المحطات البارزة في المزاد، تأتي لوحة La Représentation (التجسيد) التي أنجزها رينيه ماغريت عام 1962، وتُقدَّر قيمتها بنحو 6 ملايين دولار أمريكي. 

العمل يكشف عن جانب غير مألوف في تجربة الفنان البلجيكي، إذ يستحضر مشهدًا رياضيًا قلّما ظهر في أعماله: نشاهد لاعبي كرة القدم في خلفية واسعة، فيما تتكرر نسخة مصغرة من المشهد نفسه في المقدمة فوق درابزين حجري. هذه اللوحة النادرة ظلّت حبيسة مجموعة خاصة لأكثر من ستة عقود، لتعود اليوم إلى الواجهة بوصفها أحد الاكتشافات اللافتة في المزاد.

أما سلفادور دالي، أحد رموز السريالية الأكثر حضورًا، فيشارك بعمل يحمل عنوان Symbiose de la tête aux coquillages (تعايش الرأس والأصداف)، من عام 1931 وتصل قيمته إلى 3 ملايين دولار أمريكي. في اللوحة، يستحضر دالي منظرًا طبيعيًا عشبيًا تتخلله تكوينات صخرية وأشكال غريبة، في مشهد يلتقط جوهر خياله الجامح.

لا يقف المزاد عند حدود الأسماء الذكورية البارزة، بل يفتح المجال أيضًا أمام إعادة الاعتبار لفنانات سرياليات يجري اكتشاف أعمالهن من جديد في الأسواق والمؤسسات العالمية، مثل فالنتين هوغو، وكاي سيج، ودوروثيا تانينغ، وريمديوس فارو.

ومن بين هذه الأعمال تبرز لوحة Interior with Sudden Joy (مشهد داخلي ببهجة مفاجئة) التي أنجزتها تانينغ عام 1951، ويُقدَّر ثمنها بين مليوني دولار و3 ملايين دولار أمريكي. المشهد الداخلي الذي تصوّره اللوحة يعكس أجواء غامضة ومشحونة، تتقاطع فيها حركات بشرية غير مألوفة مع تكوين بصري يفيض بالإيحاءات.

مزاد سوذبيز في نيويورك يستعد لتحطيم الأرقام القياسية بمجموعة نادرة من الأعمال السريالية

Sotheby’s

لوحة فريدا كالو.. العمل الأبرز في المزاد

وسط الكنوز المعروضة، تتألّق لوحة El sueño – La cama (الحُلم – السرير) التي أبدعتها فريدا كالو عام 1940 بوصفها جوهرة المجموعة. 

في هذه القطعة الفنية، ترسم كالو ذاتها مستلقية على سرير بأربعة أعمدة يطفو في فضاء سماوي، تحيطه أغصان نابضة بالحياة في إشارة إلى فكرة التجدد والانبعاث. 

غير أن المشهد لا يلبث أن ينقلب إلى رؤية مقلقة، إذ يظهر فوق السرير هيكل عظمي برأس جمجمة، يحيط به ديناميت لكنه يحمل باقة من الزهور، في مفارقة مكثفة بين الموت والحياة.

مزاد سوذبيز في نيويورك يستعد لتحطيم الأرقام القياسية بمجموعة نادرة من الأعمال السريالية

Sotheby’s

توضح سوذبيز أن هذا الرمز لم يكن محض خيال، إذ اعتادت كالو أن تحتفظ بهيكل عظمي مصنوع من الورق المعجّن فوق سريرها، في تقليد مكسيكي قديم يعبّر عن ترويض فكرة الموت والتصالح معها. 

ومن هنا تنبثق قوة اللوحة التي وصفتها آنا دي ستاسي، نائب رئيس سوذبيز ورئيسة قسم الفن اللاتيني، قائلة: "إنها من أعظم أعمال كالو، وتجسيد نادر للتداخل بين الصور الحلمية والدقة الرمزية، مشحونة بطاقة عاطفية لا مثيل لها".

وأوضحت دي ستايسي أن مجرد إتاحة هذا العمل في المزاد يمثّل لحظة نادرة، وفرصة لا تتكرر لاقتناص حجر زاوية في مسيرة الفن السريالي.