بزغ فجر الطيران الخاص ليكون الحل المثالي لمن ينشدون الرفاهية في أثناء رحلاتهم القارية وبين المدن المختلفة. واستمر هذا القطاع في التطور مدفوعًا بحاجة النخبة المستمرة إلى جرعة إضافية من معاني الرفاه والراحة، بل السلامة في أعقاب جائحة كورونا. 

على أن ازدياد الوعي العالمي بمخاطر الاحتباس الحراري والأزمات البيئية يضع قطاع الطيران الخاص في دائرة الضوء بسبب وصمة العار التي تلحق به، كونه السبب الأكبر في الانبعاثات الكربونية العالمية. 

بل يُقال إن الانبعاثات التي تنتجها الطائرات الخاصة تزيد بمعدل 10 أضعاف لكل راكب عما هو عليه الحال على متن رحلات الطيران التجارية. 

في دراسة نُشرت بتاريخ 7 نوفمبر الفائت في مجلة Communications Earth and Environment، ذُكر أن الرحلات الخاصة لعام 2023، أنتجت 15.6 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فيما ازداد عدد الرحلات للعام نفسه عمّا كان عليه في سنة 2019 إلى اكثر من 4 ملايين رحلة، ما يعني زيادة في الانبعاثات بنسبة 46%. 

على أن هذا لا يعني أن القيّمين على هذا القطاع وكبار الصنّاع المعنيين لا يجدّون في البحث عن حلول مبتكرة للتصدي لهذه الأزمة وبناء مستقبل مستدام للطيران الخاص. وتتصدر هذه الحلول أربع ممارسات تتكثّف الجهود من حولها.

مصادر الوقود المستدامة

ظهر في الآونة الأخيرة مفهوم جديد في قطاع الطيران الخاص، وهو وقود الطيران المستدام أو اختصارًا SAF، وهو مصدر وقود بديل لمصادر الوقود البترولية التقليدية التي تعد السبب الرئيس وراء الاحتباس الحراري وارتفاع الانبعاثات الكربونية. 

يعتمد وقود الطيران المستدام على مصادر مختلفة يمكن تحويلها في النهاية إلى وقود يستخدم في الطائرات، إذ يمكن إنتاج هذا الوقود من بقايا الزيوت المستهلكة أو البقايا الزراعية أو بعض أنواع الطحالب. 

وتشير الدراسات التي أجريت على هذا النوع من الوقود إلى أنه يتسبب في انبعاثات كربونية أقل بنحو 80% من الوقود الأحفوري التقليدي، لذا بدأت كثير من الشركات في التوجه إليه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الشركات الأخرى قررت استخدام الوقود المصنّع، وهو نوع من أنواع الوقود المستدام الذي يُصنع مخبريًا عبر تحويل أحادي أكسيد الكربون الموجود في الجو إلى وقود يمكن استخدامه في الطائرات. 

ويعد هذا الوقود أحد الحلول المثالية لأزمة الاحتباس الحراري، إذ إنه لا يخفض الانبعاثات الناتجة من الطائرات فحسب، بل يخفض نسبة أحادي أكسيد الكربون في الجو ويضمن مصدرًا مستمرًا لا ينضب من الوقود.

البيئة أولاً

تعد الأبحاث التي تُجرى على أنواع الوقود المختلفة بحلول مثالية للعديد من المشاكل المتعلقة بالاحتباس الحراري، ولكنها في الوقت الحالي أبحاث مستقبلية تحتاج إلى مزيد من الاختبارات ليكتمل تطويرها وتصبح واقعًا نعيشه. 

لذا قررت بعض الشركات اتباع نهج مختلف يركز على الوضع الحالي للبيئة ومحاولة حل الأزمات الموجودة في انتظار انتهاء الأبحاث المستقبلية. وتشمل هذه الحلول المبادرات البيئية التي تتبناها شركات الطيران لجهة موازنة الانبعاثات الكربونية. 

ويشير مفهوم موازنة الانبعاثات الكربونية إلى حلول تقوم بإزاحة الضرر الناتج عن المخلفات الكربونية من الطائرات الخاصة، أي أن الطائرة تعتمد على الوقود الأحفوري التقليدي، ولكن الشركة تقوم في المقابل بزراعة عدد أكبر من الأشجار يتناسب مع حجم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن طائراتها. ويسهم هذا الحل في زيادة تعداد الأشجار حول العالم، فضلاً عن دعم أبحاث الوقود البديل.

في المقابل، تتّجه شركات أخرى إلى تعديل تصميم طائراتها لتعزيز كفاءة استهلاك الوقود بما يضمن خفض الانبعاثات الكربونية. فقد بدأت بعض الشركات مثلاً تعتمد على تصميم طائرات أخف وزنًا، فضلاً عن مراعاة قواعد مقاومة الهواء من أجل خفض الطاقة التي تحتاج إليها الطائرة لقطع المسافة نفسها وفي النهاية خفض استهلاك الوقود.

الطائرات الكهربائية والهجينة

لم يكن حظ الطائرات وافرًا في قطاع الطاقة الكهربائية. وفيما ظهرت العديد من المركبات البحرية والبرية التي تعتمد على الكهرباء مصدرًا للطاقة، ظلت الطائرات إلى حد كبير عصية على هذا التحول. لكن الشركات لا تنفك تحاول جاهدةً تطوير محركات طائرات كهربائية يُعتمد عليها في الرحلات القصيرة مثل الرحلات بين المدن أو بين الدول في القارات الواحدة.

فضلًا عن ذلك، بدأت بعض الشركات العمل على تطوير محركات هجينة تمزج بين الوقود الأحفوري والطاقة الكهربائية، لتوفر بذلك حلًا أفضل لرحلات طويلة المدى صديقة للبيئة.

الطائرات ذاتية القيادة

بدأ قطاع المركبات ذاتية القيادة في التوسع بشكل كبير في السنوات الماضية، ورغم أن الطائرات تعتمد على أنظمة مساعدة للقيادة منذ سنوات، إلا أنها لم تنجح بعد في تكريس القيادة الذاتية بشكل كامل. ولكن مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من المتوقع أكثر من السابق أن تجد الطائرات مدخلاً إلى هذا القطاع المزدهر.  

فالعديد من الشركات تحاول تطوير نظم قيادة ذاتية للطائرات، ولكن من المتوقع أن تواجه بعض التحديات الناتجة عن تعقيد آليات الطيران مقارنة بما هو عليه حال السيارات. 

ويظل السؤال، متى يمكن أن نرى طائرات تحقق الحياد الكربوني للقطاع؟