وأنت تعبر الأبواب الخشبية الضخمة إلى المساحات الداخلية لمطعم ماتاغي Matagi، لا يسعك أن تغفل عن وفرة تفاصيل ترتحل بالأنظار والذاكرة إلى عوالم اليابان الساحرة. ففي الواحة التي تحتل الطابق الأرضي من فندق رافلز نخلة جميرا في دبي، تشكلت الجدران ذات النمط الزخرفي المتفرّد - الذي تكشف عنه الألواح المحشوة بكتل من الآجر الياباني، والأرضيات التي تزاوج بين الخشب والبلاط المزخرف، والأعمال الفنية المعاصرة، وقطع الأثاث الجلدية - فسيفساء تصميمية تكرّس طابعًا دراميًا تعززه الإنارة الخافتة التي توحي بالدفء فيما تنبعث في الخلفية موسيقا يتصاعد نبضها بمرور الوقت في الأمسيات ليضفي على المكان حيوية لا تنحو إلى الصخب. 

من المرجّح أن كثيرين من أهل دبي وزوّارها اختبروا من قبل في هذه الواحة مقاربة الطاهي ماورو دي ليو للجمع بين فن الطهي الياباني ومذاقات تعكس أصوله الإيطالية. لكن المطعم يعود اليوم بتصوّر جديد يركّز على تجربة طعام راقية تحتفي حصريًا بالمطبخ الياباني التقليدي.

على أنها تجربة لا تخلو من حسّ ابتكار يكرّس مكانة مطبخ ماتاغي من حيث كونه مطبخًا يابانيًا متعدد الأوجه، ويعكس ما يعنيه اجتماع ثلاثة من الطهاة اليابانيين تحت سقف واحد.

يبدو برغر تونة ماتاغي مثل تحفة فنية صالحة للأكل.

Matagi © Artur Begel
يبدو برغر تونة ماتاغي مثل تحفة فنية صالحة للأكل.

مطعم ماتاغي

في ماتاغي، تحمل الأطباق متقنة الصنع، والمعدّة في غالبيتها من مكوّنات طازجة يُؤتى بها من الأسواق اليابانية، توقيع خبير تمرّس طيلة 18 عامًا على فنون الطهي الياباني، لا سيّما في مجال إعداد لفائف السوشي، وهو الطاهي كينجي الأصغر سنًا في الفريق، والذي يكمّل منظوره المتفرّد المهارات الإبداعية لطاهيين عملا سابقًا في مطاعم حائزة نجوم ميشلان: الطاهي شيمودا، وفي جعبته 40 عامًا من الخبرة في مجال تقنيات المطبخ الياباني التقليدية، والطاهي كيتاديس الذي اشتهر، على مر مسيرته الممتدة 30 عامًا، في الجمع بين أساليب الطهي والمذاقات الأصيلة من جهة، واللمسات العصرية من جهة أخرى.  

لفائف من السوشي بطعم الروبيان.

Matagi
لفائف من السوشي بطعم الروبيان.


هذا التضافر المتفرّد في الخبرات والمهارات اختبرناه ذات مساء في سياق تجربة كل تفصيل فيها - من البيئة الدرامية للمطعم والمستوى الخدمي الرفيع إلى ثراء أطباق متنوّعة استساغت ذائقتنا تركيبتها وألوانها – كان يرفع من استحساننا لوجهة طعام تتكامل أركانها من دون أي تكلف زائد.

بل إن هذا التكامل يحضر في الأطباق نفسها، على ما يشهد تناسق ألوانها ومكوّناتها ومذاقاتها، بداية من خيارات المقبلات الوفيرة، والتي اختبرنا منها فطائر "غيوزا" المحشوة بلحم السلطعون، وقطعًا من الحبّار الياباني المقرمش، ولفائف من السوشي بطعم الروبيان، فضلاً عن سلطة معدة من أوراق خضراء تحتجب في خفائها شرائح من سمك التونة الياباني المحمّر قليلاً على الفحم والمقدّم مع صلصة بونزو التي تضفي عليه طعمًا حمضيًا يحقق التوازن المنشود في المذاقات.

سمك القد الأسود المشوي والمنقوع في صلصة ميزو سايكيو.

Matagi © Artur Begel
سمك القد الأسود المشوي والمنقوع في صلصة ميزو سايكيو.


ولمحبي اللحوم النيئة، لا بدّ من الإشارة إلى أن قائمة الطعام هنا تزخر بالعديد من الأصناف التي يتمايز بينها برغر تونة ماتاغي، الأشبه بتحفة فنية صغيرة صالحة للأكل، والمعد من شرائح التونة مع الفجل المخلل، وهلام "موناكا" المستخلص من فاصوليا أزوكي، والكافيار ولحم قنفذ البحر. 

مثلجات بطعم السمسم الأسود واليوسفي.

Matagi © Artur Begel
مثلجات بطعم السمسم الأسود واليوسفي.


أما قائمة الأطباق الرئيسة، فتتيح أصنافًا تقليدية كثيرة من المطبخ الياباني، مثل عصائب النودلز "سانوكي أودون" Sanuki Udon الشهيرة في مقاطعة كاغاوا، والمقدمة في ماتاغي مع الروبيان ومرقه، أو الأرز المطهو على البخار والذي ترافقه قطع من لحم واغو البقري المشوي من نوع Kumumato Kuroge عالي الجودة والذي يُؤتى به من قطعان الأبقار السوداء في اليابان. نوصيكم أيضًا بأن تمتعوا ذائقتكم بطراوة سمك القد الأسود المشوي والمنقوع في صلصة ميزو سايكيو التي ترجع أصولها إلى كيوتو، والتي توازن الطبق بطعمها الحلو. 

وعلى ما يليق بخاتمة لتجربة طعام يابانية بامتياز ولكن لا تغيب عنها لمسات الحداثة، لا بد من اختبار أصناف من الحلويات المبتكرة التي تتربع على عرشها مثلجات بطعم السمسم الأسود واليوسفي، وحلوى قشدية معدة من المارشميلو بنكهة الشاي الأخضر "ماتشا" والشوكولاته البيضاء وبندق مكاديميا، فضلاً عن خيارات من مثلجات "موتشي" اليابانية الشهيرة.