يحفل بينالي الفنون الإسلامية بجدة بثروة من الكنوز التاريخية والقطع الأثرية، المستجلبة من طائفة واسعة من المؤسسات الفنية المحلية والعالمية، بداية من متحف الحرمين بمكة ومكتبة المدينة العامة، وصولاً إلى متحف اللوفر بباريس، علمًا بأن بعض هذه القطع لم يعرض من قبل.

 تشمل المقتنيات المنثورة هنا مفتاحًا أثريًا للكعبة، وهو من ضمن مقتنيات متحف اللوفر، ومفتاحًا آخر مستعارًا من متحف الفن الإسلامي بالقاهرة. وبمناسبة الحديث عن الكعبة، فثمة باب للكعبة معروض في البينالي أيضًا، صُنع بأمر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، بدلاً من باب آخر كان قد رُكب منذ أكثر من ثلاثمائة عام، ولكن حالته المتدهورة دفعت الملك عبد العزيز إلى الأمر بصنع واحد جديد على نفقته الخاصة.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

بدأ العمل على هذا الباب حوالي عام 1363/1944 في عهد محمود يوسف بدر الملقب "بشيخ الصاغة"، ثم رُكب أخيرًا في 15 ذو الحجة 1366/أكتوبر 1947 في حفل حضره ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود وطائفة من أعيان مكة المكرمة.

صُنع الباب بقدر عالٍ من الحرفية، وقاعدة فولاذية مدعمة بقضبان حديدية، ومصاريع مغطاة بصفائح فضية ونحاسية مطلية بالذهب. ونُثرت على الباب زخارف جمة، منها آيات قرآنية، وشهادة التوحيد، وثلاثة عشر اسمًا من أسماء الله الحسنى، وكلها بخط الثلث للخطاط عبد الرحيم أمين البخاري. وقد بقي هذا الباب في مكانه حتى عام 1399 هـ / 1979 م، حين استُبدل به الباب الحالي بأمر من الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

كما اختار القائمون على  بينالي الفنون الإسلامية بجدة عرض مخطوطة فريدة للمصحف، يعود تاريخها لنهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الميلادي، يُعرض منها 32 صفحة، مكتوبة بماء الذهب. هذه الأوراق تنتمي لنسخة مهمة مبكرة من القرآن الكريم، وهي واحدة من عدد قليل فقط، وقد كُتب النص بالكامل بخط كوفي ذهبي، على أن المعرض يقدم مخطوطة أخرى للقرآن تجمع بين ضخامة الحجم وفخامة الخط.

بل إن حجم أوراق هذه المخطوطة كان في الواقع أكبر مما يبدو عليه الآن؛ إذ يبلغ مقاس الأوراق نحو 100 سم × 75 سم، وهي قريبة جدًا من أبعاد أكبر ورقة كانت متوفرة في ذلك الوقت.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

ولم يغفل بينالي جدة أن يعرّج بنا على بعض صناديق حفظ المصحف الأثرية، إذ ثمة صندوق نادرة ضمن المعروضات، يزدان بعدد من النقوش فيما جوانبه مزينة بآيات من القرآن الكريم.

وتعد ستارة باب الكعبة أهم قطعة في مجموعة المنسوجات المعروضة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة، وهي مطرزة بكثافة بخيوط ذهبية وفضية على أرضية حريرية سوداء، وتجمع تركيباتها بين الزخرفة المتعرجة والكتابة الدائرية التي تحتوي على آيات من القرآن الكريم.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

ومن ضمن المعروضات في بينالي الفنون الإسلامية بجدة محراب مصنوع من بلاط خزفي. يتكون هذا المحراب من بلاط أحادي اللون، وتجمع هذه البلاطات معًا، ما يوحي بأنها أحجية من الصور، وهي تقنية معقدة طورت في بلاد فارس وآسيا الوسطى. وعلى الرغم من أن هذا المحراب على الطراز الصفوي، إلا أن الأبحاث الجديدة تشير إلى أنه صُنع في حقبة أحدث.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

وفي القاعة المخصصة للكعبة نجد 84 شاهدًا من شواهد القبور الأثرية من مقبرة المعلاة التي تقع على بعد حوالي كيلومتر واحد إلى الشمال الشرقي من المسجد الحرام، عند سفح جبل الحجون، في مكة المكرمة.

كثير من شواهد هذه القبور التي تحمل نقوشًا غني بالمعلومات التاريخية. فعلى مر السنين نُقلت شواهد القبور من موقعها الأصلي. وعلى الرغم من اندثار بعضها، وتآكل النقوش على بعضها الآخر، إلا أن ثمة نحو 600 شاهد قبر، يعود تاريخها من القرن الأول إلى القرن التاسع الهجري، وهي مستجلبة من العديد من المتاحف والمراكز ذات الصلة في المملكة العربية السعودية.

مقتنيات من أزمنة غابرة في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

Islamic Arts Biennale Jeddah

بعض النقوش على هذه الشواهد مكتوب بالخط الكوفي والحجازي، لكن البعض الآخر مكتوب بخط النسخ أو الثلث.ومن نافل القول إن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى المعلاة «أرقى المقابر»، وفيها دُفن أصحابه، وكذلك زوجته خديجة وبعض نسله.

وفي المعلاة قبور لأناس من جميع الطبقات في مجتمع مكة، وآخرون من أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي. وقد جرت العادة على أن من مات في مكة في أثناء أداء فريضة الحج أو العمرة يدفن فيها. وقد توسعت المقبرة بشكل كبير على مر القرون وما زالت مستخدمة حتى اليوم.