بعد أكثر من ثمانية عقود على فقدانه في خضم الحرب العالمية الثانية، عاد كمان مندلسون Mendelssohn إلى الواجهة، كاشفًا عن فصل جديد من فصول التاريخ الموسيقي المفقود، وملقيًا الضوء على واحدة من أبرز قضايا الملكية الثقافية العالقة منذ القرن الماضي.
رحلة كمان مندلسون عبر الزمن
تعود القصة إلى عام 1945، حين نُهبت خزانة مصرفية في برلين خلال الفوضى التي رافقت نهاية الحرب، وكانت تضم بين محتوياتها كمانًا نادرًا من صناعة أنطونيو ستراديفاري، أحد أعظم صنّاع الآلات الوترية في التاريخ.
الكمان، الذي صُنع عام 1709 ويُعرف باسم "مندلسون"، كانت تملكه عائلة مندلسون-بونكه اليهودية، وقد أودعته في المصرف لحمايته من المصادرة النازية.
وعلى مدى عقود، ظل أثر الكمان مجهولاً، رغم جهود العائلة المكثفة في تعقّب مصيره، من إعلانات في الصحف إلى بلاغات رسمية قُدّمت إلى السلطات الألمانية.
غير أن بارقة الأمل جاءت أخيرًا من طوكيو، حين رصدت كارلا شابرو، الباحثة في شؤون الممتلكات الثقافية، صورة لكمان يحمل الاسم "ستيلا" Stella، عُرض في معرض لآلات ستراديفاريوس عام 2018. وقد تطابق الكمان مع مواصفات "مندلسون" من حيث النقوش والاهتراءات وعلامات الاستخدام الدقيقة.
تعاونت شابرو مع جيسون برايس، مؤسس دار المزادات "تاريتزيو" Tarisio، الذي أكّد بدوره التطابق التام بين الكمان المعروض والكمان الذي مرّ بداره في عام 2000 من دون أن يُباع.
تُقدَّر قيمة هذه التحفة النادرة اليوم بنحو 5 ملايين دولار أمريكي، ويُعتقد أنها انتقلت إلى حيازة العازف الياباني الشهير إيجين نيمورا، الذي يعرّف عنها باسم "ستيلا" ويعرضها علنًا في المناسبات، لكنه يرفض الاعتراف بارتباط الكمان بعائلة مندلسون، رغم كثافة الأدلة المرئية والتاريخية. وقد امتنع نيمورا ومحاميه عن الإدلاء بأي تصريحات أو التعاون مع الباحثة.
في المقابل، يسعى ورثة عائلة مندلسون، المنتشرون اليوم بين أوروبا والولايات المتحدة، إلى التوصل إلى تسوية مع نيمورا، مؤكدين أن الكمان يمثّل أكثر من مجرد قيمة مادية، إذ إنه إرث عائلي وثقافي ضاع في خضم الحرب.
وتُظهر التحقيقات أن الكمان انتقل بعد الحرب من موسكو إلى باريس، قبل أن يحصل على شهادة مصادقة في عام 2005 تشير إلى أنه كان مملوكًا لعائلة نبيلة في هولندا منذ الثورة الفرنسية، وهي رواية يُعتقد أنها صيغت لتضليل مسار الملكية.
وتكشف هذه القصة عن جانب غامض في سوق الآلات الموسيقية الكلاسيكية، إذ تُباع بعض الكنوز التاريخية من دون توثيق دقيق لتاريخها، ما يفتح الباب أمام نزاعات قانونية معقّدة وسعي طويل لاستعادة العدالة التاريخية.