العُلا، أرض الحضارات وعروس الجبال 

في السنوات الأخيرة، نجحت محافظة العلا، الواقعة في الركن الشمالي الغربي من المملكة، في أن تتحوّل إلى وجهة عالمية تستلب الزائرين إلى الانغماس في برنامج متكامل من التجارب الاستكشافية والترفيهية والمهرجانات الفنية والموسيقية، بداية من فعاليات "لحظات العُلا" وفي طليعتها شتاء طنطورة الذي انطلق بتاريخ 22 ديسمبر الفائت ويستمر حتى 21 يناير الحالي.

لكن أنغام الموسيقا التي تصدح في قاعة المرايا، التحفة المعمارية التي ترتفع وسط وادي عشار متباهية بواجهات تشكلت من مرايا تعكس مفاتن البيئة المحيطة، ومثلها تلك الحيوية التي يضج بها سوق وادي القرى بمتاجره التراثية التي تشكل امتدادًا للبلدة القديمة، ومزولته الشهيرة أو الطنطورة التي ترجع إلى نحو 400 عام، ليست وحدها مصدر ذاك الصخب الذي يملأ النفوس حبورًا في قلب صحراء العلا الرابضة على طريق البخور والتوابل.

فهناك تتردد إلى يومنا هذا أصداء تاريخ غارق في القدم يتواطأ عليك تارة في موقع دادان الذي يستحضر، بآثاره والمقابر المنحوتة على واجهة الجبل الشرقي المجاور، الإرث الحضري لمملكتي دادان ولحيان، وطورًا جبل عكمة الذي يتجلى مكتبة منحوتة في الصخر تشكلت من نقوش وكتابات تحكي عن مملكة لحيان التي استوطنت المكان من القرن السابع أو التاسع قبل الميلاد حتى القرن الثاني قبل الميلاد، وعن التفاصيل الحياتية لمجتمع امتهن حرفًا دقيقة مثل النحت وصياغة المعادن، وعرف أصول التجارة وجباية الضرائب، وفنون الموسيقا والعزف على الآلات الوترية. 

أما موقع حجر الأثري، الذي أدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي سنة 2008، فيستدرجك إلى متحف مفتوح يوثق عبر امتداداته في الصحراء قصص الأنباط الذين خلفوا في الموقع مقابر نُحتت في الصخر، من جبل البنات ومقبرة لحيان بن كوز، إلى جبل الأحمر وجبل الخريمات، لتشهد على براعتهم في فنون الهندسة والنحت والزخرفة.

وفي موقع حجر، كما في محيط وادي عشار، ستتسنى لكم الفرصة لاستكشاف المئات من النقوش التي توثّق مسيرة من عبروا الأرض واستوطنوا ضفاف واحاتها، فرسموا بلغات قديمة وتاريخية، مثل الدادانية، والثمودية، والمعينية، والنبطية، تاريخًا عمره عشرات آلاف السنين. 

تشرع العُلا أيضًا فضاءاتها لهواة المغامرين متيحة لهم تجارب تشمل تأمل النجوم التي تلقي بضيائها ليلاً على التكوينات الصخرية الغامضة في منطقة الغراميل، والانزلاق بسرعة 100 كيلومتر في الساعة عبر الحبال المعلقة في سماء جبل الحرّة، وركوب الجمال عبر وادي عشار، فضلاً عن الرحلات على متن المناطيد وتجارب الرفاه الصحي.

وإذا كنتم من هواة الفن، فإن العلا تستضيف معارض فنية حديثة وبرامج ثقافية يستهدف بعضها تسليط الضوء على ثقافة الأنباط القدماء وسكّان العلا التاريخيين من خلال دروس في فنون السيراميك، والجلود، والمنسوجات، ونحت الحجر وغيرها. 

الطائف العابقة بشذا ورودها 

ما إن يحل شهر يوليو من كل عام، حتى تبدأ العوائل السعودية رحلتها إلى مدينة الطائف، صديقة الغيم والورد الرابضة في غربي البلاد إلى الشرق من مدينة مكة المقدسة. هناك تتباهى عروس المصايف بموقعها الاستراتيجي فوق قمة جبل غزوان، مستزيدة من هوائه الشامي ومياهه الباردة، ومن سحر يتمدد حتى هضبة نجد. قد تكون هذه المعادلة هي التي سخت على الطائف برياض ورود لا ينفك أبناء المدينة يتوارثون زراعتها وتقطيرها وبيعها جيلاً بعد جيل.

ففي الطائف وضواحيها ما يزيد على ألفي مزرعة للورد تُنتج يوميًا أكثر من 200 مليون وردة يُخصص لعبقها الشهير عالميًا مهرجان سنوي يتزامن مع موسم القطاف والبيع.

بل إنك إذ تزور الطائف، لا يمكن إلا أن تعود منها محملاً بصور لورودها أو بزاد من عبقها الذي تختزنه منتجات من الصابون، وماء الورد، ودهن العود، والبخور وغيرها. على أن لمدينة الورود حكايات أخرى يمكنك استكشافها بداية من متنزّه الردف - الذي يستوطن محمية طبيعة تستمد ألقها من تمازج خضرة الطبيعة والصخور الغرانيتية، وتحتضن بحيرة وشلالاً وحديقة حيوانات، فضلاً عن مسارات للمشي والجري وملاعب رياضية -  وليس انتهاء بقرية الشفا الرابضة في أعالي جبال السروات على ارتفاع 2,500 متر وقد أفردت مساحاتها لعبق غابات أشجار العرعر، والأودية الخصبة، وبساتين العنب والرمان والتين والشوكي، والشلالات التي ينهمر زبدها فوق المنحدرات. 

وفي الطائف، يختلط شذا الورد بعبق آثار الماضي الذي يفيض عن مواقع ضربت جذورها في أرض تاريخ يستلبك إليه قصر شبرا (البناء التاريخي الذي يضم اليوم مركزًا ثقافيًا، ومتحفًا ومكتبة)، ومساجد ونقوش أثرية ومجموعة من 70 سدًا قديمة عمرها أكثر من ألف عام، وفي طليعتها سد ثمالة أو السملقي الذي شيده بنو هلال في العصر الجاهلي.

ولكن أينما حللت في الطائف، من وادي متنة إلى الحصن التركي، أحد المواقع التي قاتل فيها لورانس العرب، لا بد أن تزل بك قدماك إلى سوق عكاظ، الذي كان في ما مضى مركز التجمع الرئيس لإلقاء الشعر، والتجارة، والاجتماعات السياسية والاجتماعية، وما فتئ يشكل إلى يومنا هذا سوقًا مزدهرة تجد فيها مشغولات حرفية، وهدايا، وعطورًا وحليًا.  

وعلى بعد ساعتين من الطائف، يمكنك أن تبلغ واحدة من عجائب الطبيعة الأشد استثارة للانبهار. إنها فوهة الوعبة، تلك الفجوة التي تمتد بعرض أربعة كيلومترات وعمق 250 مترًا، وتكاد توهمك للوهلة الأولى بأنك وطأت سطح القمر. تقع الفوهة البركانية على الحافة الغربية لهضبة البازلت بحرة كشب، موفرة لمن يتسلقها إطلالة آسرة على الصحراء، فيما يتدثر وسطها ببساط ملحي من بلورات فوسفات الصوديوم البيضاء يتحوّل، عند تجمّع الأمطار في جوفها، إلى بحيرة تتلألأ بالنور في محيط أشجار النخيل. أما المشهد الأكثر سحرًا هنا، فقد تختبرونه فيما تبيتون ليلتكم في العراء لمعاينة النجوم التي تحرس سكون الصحراء من علو. 

جبال عسير وأبها البهيّة 

في الجهة الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية، تنبسط منطقة عسير متباهية بمفاتنها الجبلية الآسرة التي تشمخ على علو أكثر من ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر لتعانق أمواجًا من السحب المسافرة في الأفق فيما تفرد مساحاتها لأودية وغابات تتراءى أمام الناظرين لوحات طبيعية تستأثر بالأفئدة.

هذا ما يعد به تحديدًا الوقوف فوق القمة العليا في جبل السودة المطل على تُهامة، وحيث متنزّه السودة يشكل منطلقًا لعربات التلفريك المعلقة التي ترتحل بالزائرين إلى صدر العوس في قرية رجال ألمع التاريخية التي شكلت في الأزمنة الغابرة مركزًا تجاريًا مهمًا، وما فتئت تزهو بتراث هندسي ومعماري يستوطن بجوار بيوتها الملونة.

على أن منطقة عسير تزخر بكثير من المتنزهات الأخرى التي يتمايز بعضها عن بعض بطبيعة التضاريس والهوية الثقافية للمكان، من متنزّه المحتطبة الذي يصخب محيطه بهدير الشلالات الطبيعة، إلى متنزهات أبو خيال، والجبل الأخضر، والفرعاء، ودلغان والجرّة، فضلاً عن متنزه الحبلة الشهير والذي يوثّق اسمه استخدام السكان الأصليين حتى وقت غير بعيد الحبال للوصول إلى قريتهم. 

وسط هذه الطبيعة الجبلية التي تجود بفتنتها على أفق عسير، تتردد أصداء تاريخ تبوح بحكاياته أطلال عمرها آلاف السنين، بداية من موقع جرش الأثري الذي توثّق الجدران الصخرية المشذبة فيه، وبقايا المباني الحجرية والطينية والمعثورات، حضارات من مراحل ما قبل الإسلام وما بعده،  وليس انتهاء بمسار درب الفيل الذي تُعيد سجلات التاريخ نشأته إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد، تلك الحقبة التاريخية التي شهدت زيارة الملكة بلقيس لنبي الله سليمان عليه السلام، والذي استمر استخدامه قبل البعثة المحمدية للتجارة  ثم استُخدم دربًا لفيل أبرهة الحبشي، ليتحوّل  بعد البعثة إلى طريق للحجيج.

وإلى يومنا هذا، تنتشر على واجهات الصخور والجبال التي يعبرها الطريق كتابات سبئية وكوفية، ورسوم صخرية تعبر عن مشاهدات الإنسان لبيئته. تشمل الشواهد على التاريخ أيضًا في منطقة عسير قرية آل خلف التراثية التي تتناسق فيها الأنماط العمرانية في محيط الحقول الزراعية، والقصور المرتفعة، والأبراج القديمة، ويميزها غار خرق أم خرمة الشهير وخزانات دائرية منحوتة في الصخر. 

وفي عسير ترتاح أبها البهية التي احتفت عام 2017 باختيارها عاصمة للسياحة العربية لما تتمايز به من طبيعة أخاذة ومناخ معتدل أنتجهما موقعها المتفرد على ارتفاع 2,500 متر عن سطح البحر الأحمر، هناك حيث تشكلت المدينة وسط الضباب الذي يعانق جبال السروات أرضًا خصبة ندية تزدان بالماء والخضرة ويتضوّع في رحابها عبق أشجار العرعر.

أما قلب أبها، فزاخر بقصص التاريخ والتراث التي يمكن استكشافها بداية من قصر شدا الذي ارتفع بنيانه في عام 1927 فشكل بطرازه المعماري العسيري مقرًا للإمارة قبل أن يتحوّل إلى متحف للذاكرة تُعرض فيه مخطوطات ومسكوكات وصور عن أساليب حياة الأهالي.

وفي الجهة المقابلة من القصر، تنبسط قرية المفتاحة التي تتجلى معالمها تجمعًا من بيوت طينية وحجرية يرجع تاريخها إلى مئات السنين وتميزها تصاميم القط العسيري الزخرفية التي أدرجت على قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.

وقد لا يعود مستغربًا إذ ذاك أن ترقى قرية المفتاحة إلى مركز فني وإبداعي يحتضن مركز الملك فهد الثقافي ومسرح المفتاحة، فضلاً عن متحف أثري. والحقيقة هي أن أبها تشرع فضاءاتها للـعديد من المتاحف الخاصة التي أقامها الأهالي في منازلهم الحديثة والقديمة، والتي تُعرض فيها أدوات عتيقة كانت تُستخدم في الزراعة والبناء، وأزياء شعبية وحلي قديمة.

وعلى جنبات الطرقات يستعرض الأهالي منتجاتهم الزراعية مثل الرمان والخوخ والعنب والعسل، ومأكولاتهم الشعبية التي تشمل خبز التنور، والمشغوثة، والعريكة والمصبعة. لكنكم لن ترغبوا أيضًا في تفويت فرصة زيارة سوق الثلاثاء حيث يُباع العسل الملكي، وعسل السدر، ومشغولات حرفية مختلفة تشمل الزبديات الخشبية، والسلال المحبوكة يدويًا، والحلي البدوية، وخناجر الجنبية الشهيرة. 

الأحساء.. واحة التاريخ والنخيل الباسق 

قد لا يكفي يوم واحد لزيارة محافظة الأحساء، تلك الواحة الرابضة في شرق المملكة بين مدينتي الرياض والدمّام، والزاهية بنخيلها الذي يمتد طولاً وتاريخًا ليجود بالخلاص، ذاك النوع الفريد من التمر الغني بمذاقه الحلو.

لكن هذه الأرض التي تحرسها أكثر من ثلاثة ملايين نخلة، وتزيّنها العيون الطبيعية المحفوفة بالأراضي الزراعية الخضراء، تُخفي في ثناياها تاريخًا عمره آلاف الأيام والسنين.

إنه تاريخ استحقت معه الأحساء أن تجد مكانتها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهي التي شكلت من موقعها الجغرافي بوابة شبه الجزيرة العربية على أنحاء كثيرة من العالم، ومعبر الحجيج قديمًا، وجسر وصال مع حضارات العالم القديم، على ما تشهد المكتشفات الأثرية تحت رمال الأحساء، ومنها آثار لعدد من المستوطنات البشرية التي تعود إلى العصر الحجري الحديث. 

أما أبرز الشواهد على تلك الأزمنة الغابرة، فيمكنك أن تستهل رحلة استكشافها من مدينتها الهفوف حيث الأسواق والضواحي القديمة، وقصر إبراهيم التراثي الذي شُيّد في عهد الدولة السعودية الأولى ليتجلى تحفة معمارية تجمع هندسته بين الطراز العربي والتصميم العسكري الطابع. هناك يمكنك أن تجول في مسجد القبة، والغرف الأثرية، والمتحف الصغير الذي يعرض قطعًا تاريخية وصورًا فوتوغرافية.

وفي الجهة المقابلة من القصر، سيطالعك بيت البيعة الذي شهد مبايعة الأهالي لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز. هناك أيضًا يمكنك أن تجول في مسجد جواثا، أول مسجد بُني في المنطقة الشرقية في السنة السابعة للهجرة، والذي يُقال إن قبيلة بني عبد القيس أقامت فيه أول صلاة جمعةٍ في الإسلام بعد المسجد النبوي في المدينة المنورة. 

على أنكم لن تفوّتوا، إذ تقصدون الأحساء، زيارة عيون المياه الطبيعية فيها، التي تشتهر بمزاياها العلاجية بسبب التركيز العالي للمعادن في تركيبتها، وفي طليعتها عيون الجوهرية، وأم سبعة والخدود، لتتوجهوا بعد ذلك، على متن سيارات الدفع الرباعي، إلى بحيرة الأصفر التي تجثم عند أطراف المدينة على امتداد 12 كيلومترًا عبر الكثبان الرملية وتشكل موطنًا لطيور برية غريبة وجميلة.

احرصوا أيضًا على تسلق جبل القارة للاستزادة من تلك المشاهد الطبيعية الخلابة التي تتيحها أجرافه المكوّنة من أحجار جيرية، وكهوفه البديعة، والممرات المتعرجة المحفورة في قلب بنيانه الصخري. 

وإذ تعودون أدراجكم مساء، سيستدرجكم من سكينة تلك الأجواء الجبلية صخب تضج به متاهات سوق القيصرية الذي يرجع إلى عام 1882، ويشكل اليوم واحة تزدحم بأكثر من 420 متجرًا لبيع المشغولات اليدوية، والتوابل، والزيوت، والعطور المحلية. 

أملج.. جزر المالديف السعودية 

تشرع منطقة تبوك في شمال غربي المملكة العربية السعودية واحاتها للزوار من هواة استكشاف المواقع الأثرية. فهناك تتناثر قلاع قديمة قد يكون أقدمها قلعة تبوك التي تجثم في وسط المدينة منذ عام 1559، محتضنة مسجدين تربط بينهما باحة كبيرة وسلالم وأبراج مراقبة، فضلاً عن متحف صغير يوثّق تاريخ القلعة وتبوك وزيارات المستكشفين العظماء، وفي طليعتهم ابن بطوطة.

وفي المدينة التي لطالما شكلت نقطة استراحة الحجاج القادمين من الأردن ومصر، تتحوّل زيارة سوق الطواحين إلى مناسبة لاستكشاف معاني الثقافة المحلية في أطياف من السجاد المزركش وأغطية الخيم المصنوعة من جلد الماعز.

وإلى الجنوب من تبوك، تستدرجك الطرقات الصحراوية إلى وادي الديسة الذي تحرسه من علو أعمدة نحتتها الرياح من الحجارة الرملية فيما تتناثر في رحابه واحات وبرك ماء وأشجار نخيل ترسم معالم لوحة آسرة تُغري بالتقاط صور خلابة.

أما غربًا، فتستريح حكايات الماضي، ومنها قصة هروب النبي موسى عليه السلام من مصر، في مغاير شعيب حيث الواجهات والمقابر المنحوتة في الحجر الرملي وسط الصحراء. 

وفي تبوك متسع أيضًا لفضاءات أنس تشكلت في الجزء الشمالي الغربي من المنطقة أرخبيلاً من 104 جزر تُعرف باسم أملج وتستلب الأفئدة إلى سكينة طبيعتها، وشواطئها الرملية البيضاء، ومياهها الفيروزية البكر لتستحق عن جدارة توصيفها بجزر المالديف السعودية.

وبالرغم من أن الرحلة من مدينة تبوك إلى أملج قد تستغرق نحو 7 ساعات بالسيارة، إلا أن الأرخبيل يعد مريديه بتجربة ماتعة، لا سيّما لمن ينشدون الانعتاق من صخب المدن إلى أنس الطبيعة البكر، ولهواة الرياضات البحرية التي تُتاح لهم الفرصة هناك للغوص وسط الشعاب المرجانية والدلافين وسلاحف هوكسبيل، واستكشاف ما يزيد على 1,200 فصيلة من الأسماك. يمكنكم أيضًا استئجار قارب يرتحل بكم إلى مجموعة من الكهوف السرية تستطلعونها فيما تمتعون أنظاركم بمشهد الحرات البركانية.  

ذي عين، القرية الرخامية  

فوق قمة جبل صخري أبيض في محافظة قلوة، إلى الجنوب من مدينة الباحة، وعلى بعد 1,005 كيلومترات إلى الجهة الجنوبية الغربية من الرياض، يستوطن تاريخ عمره 400 عام قرية تراثية ترسم بيوتها تفاصيل مشهد درامي وسط مزارع الموز والنخيل والنباتات الفطرية التي تحيط بها، فيما تخترقها عين ماء تمضي من الجبال إلى متاهاتها في مسار متعرّج.

إنها قرية "ذي عين" التي اكتسبت لقب "القرية الرخامية" بسبب بيوتها المبنية من كتل الصخور الزيتية، والأردواز الأبيض، والرخام، والمدرجة اليوم على قائمة اليونسكو للتراث، مشكلة مقصدًا للمستكشفين وعلماء الآثار وهواة الانغماس في قصص تاريخية من زمن مضى.

تبهرك القرية المقفرة، التي تبدو من بعيد أشبه بقلعة، ببيوتها المتلاصقة والمتراكبة بعضها فوق بعض، وبمزاياها المعمارية التي تكرسها مأثرة هندسية بقدر ما هي موقع أثري قيّم.

فمن أصل مجموعة من 312 بيتًا، صمد منها إلى يومنا هذا في وجه عاديات الدهر نحو 49 منزلاً تزهو بأبواب ونوافذ بسواكف حجرية، وبتفاصيل من الخشب تزيّن الجدران والسقف لتشكل عازلاً يمنع الحرّ عمّن سكنوها قديمًا.

تمتاز قرية "ذي عين" أيضًا بحصن منيع تحيطه الجبال من ثلاثة جوانب، وطريق شديد الانحدار يفضي صعودًا ونزولاً إلى مجموعة من الأنفاق. وقد استُحدثت في جنباتها أيضًا متنزهات خضراء، ومطاعم، وملاعب للأطفال.

وأنت تزور هذا الموقع، الذي يُعد واحدًا من أهم القرى التراثية في شبه الجزيرة العربية، لا يسعك إلا أن تذعن لذاك السحر الذي يعانق ناظريك من أعلى التل المشرف على المنحدر والواحة، وتستسلم للرغبة في احتجاز تلك اللحظات داخل صور للتاريخ.