اختارت مجموعة كيرينغ Kering أن تُعيد تعريف مكانتها في عالم الرفاهية، بخطوة تُجسّد رهانها على المستقبل أكثر مما تُترجم رغبتها في الانفصال عن الحاضر. ففي لحظة تبدو أقرب إلى إعلان عن ولادة حقبة جديدة داخل المجموعة الفرنسية العريقة، قرر لوكا دي ميو، الرئيس التنفيذي الجديد، أن يبدأ رحلته بتحركٍ يليق بضخامة الاسم، عندما وجّه بوصلة كيرينغ لبيع قسم مستحضرات التجميل إلى عملاق الجمال الفرنسي لوريال L’Oreal مقابل 4.7 مليار دولار أمريكي.

القرار لم يكن مجرد صفقة مالية بقدر ما هو رؤية استراتيجية تُعيد تعريف أولويات المجموعة، وتُسدل الستار على مرحلة كانت فيها كيرينغ تسعى للتوسع أفقيًا. الآن، يبدو دي ميو مصممًا على تركيز الجهود في المجالات التي تمتلك فيها المجموعة ثِقَلها الحقيقي وخبرتها المتفرّدة، مانحًا لوريال مفاتيح مجموعة من أثمن العلامات الفاخرة في عالم الجمال، تتقدمها كريد، وبوتيغا فينيتا وبالنسياغا، إلى جانب حقوق تطوير عطور غوتشي اعتبارًا من عام 2028.

كيرينغ تُغلق صفحة مستحضرات التجميل وتُراهن على المستقبل بخطوة استراتيجية جريئة

AFP

بالنسبة إلى لوريال، تُجسد هذه الصفقة لحظة فارقة تُضاف إلى تاريخها الممتد. فهي تُعد الاستحواذ الأضخم في سجل المجموعة حتى اليوم، متجاوزة صفقة شرائها للعلامة الأسترالية إيسوب Aesop عام 2023 التي بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار. ورغم أن الرقم الجديد يبدو جريئًا في حجمه، إلا أن بعض المحللين رأوا أن التحرك يعكس واقعية ناضجة من كيرينغ. فهو خطوة علاجية ضرورية تُخفف من وطأة ديونها التي وصلت منتصف هذا العام إلى نحو 10.24 مليار دولار أمريكي، وهو ما انعكس سريعًا على أداء الأسواق، إذ أظهرت بورصة باريس ثقة لافتة بتحرك الإدارة الجديدة، لترتفع أسهم كيرينغ بنحو 4.8%، فيما لامست أسهم لوريال ارتفاعًا بنسبة 1.2% في اليوم نفسه.

كيرينغ تُغلق صفحة مستحضرات التجميل وتُراهن على المستقبل بخطوة استراتيجية جريئة

AFP

لم يكن قرار كيرينغ بالتخلي عن قسم مستحضرات التجميل معزولاً عن الظروف التي تمرّ بها المجموعة، إذ تشهد علامتها الأشهر غوتشي مرحلة من التباطؤ الاستثنائي بعد سنوات من النمو الجامح. فقد تراجعت الإيرادات خلال الربع الأخير بنحو 25% على أساس سنوي، متأثرة بفتور الطلب في السوق الصينية التي كانت في السابق محركها الأقوى. إلى جانب ذلك، لم يتمكن قسم التجميل من تحقيق الزخم المأمول، مسجلاً خسائر تشغيلية بلغت 69.18 مليون دولار أمريكي في النصف الأول من العام، الأمر الذي جعل بيع النشاط خيارًا استراتيجيًا أكثر منه اضطراريًا، لإعادة ضبط مركز المجموعة المالي وتفادي أي ضغوط على تصنيفها الائتماني.

من جهة أخرى، تستفيد لوريال من الصفقة عبر توسيع محفظتها من العلامات الفاخرة لتضم كريد وعددًا من الأسماء الرفيعة في عالم الأزياء، وهو ما يتكامل مع نجاحها الطويل في إدارة عطور إيف سان لوران منذ عام 2008. كما يعتزم الطرفان إنشاء مشروع مشترك لتقديم تجارب وخدمات مخصصة لزبائن منتجات الفخامة حول العالم.